السجود للصنم، والاستهانة بالقرآن، وسب الرسول، والهزل بالدين) وما شاكلها ليس هي من الكفر العملي إلا من جهة كونها واقعة بعمل الجوارح فيما يظهر للناس، ولكنها لا تقع إلّا مع ذهاب عمل القلب من نيته وإخلاصه ومحبته وانقياده لا يبقى معها شيء من ذلك، فهي وإن كانت عملية في الظاهر فإنها مستلزمة للكفر الاعتقادي ولابُدَّ، ولم تكن هذه لتقع إلّا من منافق مارق أو معاند مارد. وهل حمل المنافقين على أن: {قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا ... } [التوبة: 74] ، إلا ذلك مع قولهم لَمَّا سئلوا: {إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} قال الله لهم: { ... قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} {لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 64 - 66] ، ونحن لم نُعَرِّفِ الكفر الأصغر بالعملي مطلقًا بل بالعمل المحض الذي لم يستلزم الاعتقاد ولم يناقض قول القلب ولا عمله» [1] .
ولهم - أي الجهمية والمرجئة - أصل آخر غير الذي قدمت الحديث عنه من تفسيرهم الإيمان بالتصديق أو المعرفة فقط أو التصديق والنطق باللسان دون عمل القلب والجوارح، وهو أنهم يقولون: «إنَّ كُلَّ من أعلن بما يوجب إطلاق اسم الكفر عليه في الشريعة فإنه جاحد بقلبه» [2] . فالكفر عندهم الجحود فقط دون سائر الأنواع الأخرى [3] .
* والجواب عن هذا الأصل الفاسد من وجوه:
الأول: أنه دعوى بلا برهان.
(1) «أعلام السنّة المنشورة» (ص 129) . وانظر: «الفصل في الملل والأهواء والنحل» (3/ 244 - 245) لابن حزم.
(2) «الفصل» (3/ 259) لابن حزم.
(3) وهي: كفر الجهل والتكذيب، والعناد والاستكبار، والنفاق. انظر: «مدارج السالكين» (1/ 337 - 338) ، و «أعلام السنة المنشورة» (ص 126) للشيخ حافظ الحكمي.