ودعا لحسان فقال: « ... اللهم أيده بروح القدس .. » [1] .
وروى مسلم بسنده عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «اهجوا قريشاً فإنه أشد عليها من رشق بالنبل» ، فأرسل إلى ابن رواحة فقال: اهجهم فلم يرض، فأرسل إلى كعب بن مالك ثم أرسل إلى حسان بن ثابت فلما دخل عليه قال حسان: قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه ثم أدلع بلسانه فجعل يحركه فقال: والذي بعثك بالحق لأفرينهم فري الأديم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا تعجل فإن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها، وإن لي فيهم نسبًا حتى يلخص لك نسبي» فأتاه حسان ثم رجع فقال: يا رسول الله قد لخص لي نسبك والذي بعثك بالحق لأسُلَّنَّكَ منهم كما تسل الشعرة من العجين، قالت عائشة: فسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لحسان: إن روح القدس لا يزال يؤيدك، ما نافحت عن الله ورسوله»، وقالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «هجاهم حسان فشفى وأشفى» [2] .
قال النووي رحمه الله: «وفيه جواز هجو الكفار ما لم يكن أمان، وأنه لا غيبة فيه، وأما أمره - صلى الله عليه وسلم - بهجائهم وطلبه ذلك من أصحابه واحدًا بعد واحد ولم يرض قول الأول والثاني حتى أمر حسان، فالمقصود منه النكاية في الكفار من رشق النبل فكان مندوبًا لذلك مع ما فيه من كف أذاهم وبيان نقصهم والانتصار بهجائهم المسلمين» [3] .
وهذا لا يتعارض مع النهي الوارد عن سب الكفار في قوله تعالى: وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّوا اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ...
(1) برقم (6152) ، «فتح» (10/ 562) .
(2) كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل حسان بن ثابت ... ، برقم (2490) ، «نووي» (16/ 282 - 283) .
(3) «شرح صحيح مسلم» (16/ 281) .