وهذا التفريق عند أهل السنة والجماعة مبني على أصل وهو: أنَّ ثبوت الوعيد العام في حق العصاة والكافرين لا يلزم منه ثبوته في حق المعيَّنين.
يقول ابن تيمية: «لكن الشخص المعيَّن، لا يشهد عليه بالوعيد، فلا يشهد لمعيَّن من أهل القبلة بالنار لجواز أن لا يلحقه الوعيد لفوات شرط، أو ثبوت مانع، فقد لا يكون التحريم بلغه، وقد يتوب من فعل المحرم» [1] .
وقد اشترط أهل العلم للحكم بتكفير المسلم شرطين لا بُدَّ من توفرهما:
أحدهما: أن يقوم الدليل على أنَّ هذا القول أو الفعل أو الاعتقاد مِمَّا هو كُفْرٌ في شريعة الله تعالى.
أو بمعنى: ثبوت أنَّ هذه الخصلة التي قامت بالمعيَّن ممَّا يقتضي الكفر في دين الله تعالى [2] .
وعند تطبيق هذا الشرط على موضوع البحث «الاستهزاء بالدين» يتضح جليًا ممَّا تقدم من الأدلة القاطعة على كفر ورِدَّة المستهزئ بالدين، وما يتبع ذلك من سخريةٍ بالله - جل وعلا - ورُسُلِه - عليهم الصلاة والسلام -، ولو لم يرد من الأدلة إلا قوله - عز وجل: {قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65 - 66] . لكفى، ولكن قد قام من الأدلة الكثيرة غير هذا؛ ما يوجب
(1) «مجموع الفتاوى» (23/ 345، 10/ 372) . وانظر: «مجموع فتاوى ورسائل» (2/ 152) للعلامة محمد بن عثيمين.
(2) «القول المفيد» (2/ 271) ، و «مجموع فتاوى ورسائل» (2/ 125، 134) كلاهما للعلامة محمد بن عثيمين.