مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونًا، ولا أكذب ألسنًا، ولا أجبن عند اللقاء» [1] ، فأنزل الله - جلَّ وعلا - في شأنهم قوله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65 - 66] .
قال ابن تيمية رحمه الله: « ... وقول من يقول عن مثل هذه الآيات: إنهم كفروا بعد إيمانهم بلسانهم مع كفرهم أولًا بقلوبهم لا يصح [2] ، لأن الإيمان باللسان مع كفر القلب قد قارنه الكفر فلا يقال: قد كفرتم بعد إيمانكم، فإنهم لم يزالوا كافرين في نفس الأمر، وإن أُريدَ أنكم أظهرتم الكفر بعد إظهاركم الإيمان، فهم لم يظهروا للناس إلا لخواصهم، ما زالوا هكذا؛ بَلْ لمَّا نافقوا وحذروا أنْ تنزل سورة تبيِّنُ ما في قلوبهم من النفاق، وتكلموا بالاستهزاء، صاروا كافرين بعد إيمانهم، ولا يَدلُّ اللفظ على أنهم مازالوا منافقين ... » إلى أن قال: «فدلَّ على أنهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أتوا كفرًا، بل ظنوا أنَّ ذلك ليس بكفر، فبيَّن أنّ الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر يكفر به صاحبه بعد إيمانه، فَدَلَّ على أنَّهُ كان عندهم إيمان ضعيف، ففعلوا هذا المحرم الذي عرفوا أنه محرم، ولكن لم يظنوه كفرًا، وكان كفرًا كفروا به، فإنهم لم يعتقدوا جوازه ... » [3] .
(1) تقدم تخريجها (ص 284) من هذا البحث.
(2) وهذا حال المنافقين يؤمنون ظاهرًا، ويخفون الكفر باطنًا، فكلامه رحمه الله هنا يدلُّ على أنهم لم يكونوا منافقين، وإنما هم من المسلمين ضعفاءُ الإيمان.
(3) «مجموع الفتاوى» (7/ 272 - 274) . وانظر: «فتح المجيد» (ص 522) للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ.