فإذا صدر من الذميِّ أو المعاهد، طعن في الدين، أو استخفاف برب العالمين، وتنقص بالأنبياء والمرسلين انتقض عهده في المشهور من مذهب مالك، وهو مذهب الشافعي وأحمد - وسيأتي نقل النصوص عن هؤلاء الأئمة - عدا أبي حنيفة فإنه لا ينقض العهد عنده، لأن ما هم عليه من الكفر والشرك أعظم.
قال القرطبي رحمه الله: «أكثر العلماء على أنَّ من سبَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - من أهل الذِمَّة، أو عرَّض أو استخفَّ بقدره أو وصفه بغير الوجه الذي كفر به فإنه يقتل، فإنا لم نعطه الذِّمة أو العهد على هذا. إلَّا أبا حنيفة والثوري وأتباعهما من أهل الكوفة فإنهم قالوا: لا يقتل، ما هو عليه من الشرك أعظم، ولكن يؤدَّب ويُعَزَّر» [1] .
قال ابن تيمية رحمه الله: «وأمَّا من طعن في الدين فإنَّه يتعيَّنُ قتاله، وهذه كانت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنه كان يُهْدِرُ دماء من آذى الله ورسوله وطعن في الدين وإنْ أمْسَكَ عن غيره» [2] .
ثم قال: «فإذا طعن الذميُّ في الدين فهو إمام في الكفر، فيجب قتاله لقوله تعالى: {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} ولا يمين له؛ لأنَّه عاهدنا على أن لا يظهر عيب الدين وخالف، واليمين هنا المراد بها العُهود ... فثبت أنَّ كلَّ من طعن في ديننا بعد أن عاهدناه عهدًا يقتضي أن لا يفعل ذلك فهو إمام في الكفر لا يمين له، فيجب قتله بنص الآية» [3] .
ورحم الله الإمام ابن القيم إذ يقول: « ... بل مجاهرتنا بسبِّ ربنا وكتابه وإحراق مساجدنا ودورنا أشدُّ علينا من مجاهرتنا بالمحاربة إن كنّا
(1) «الجامع لأحكام القرآن» (8/ 55) . وانظر: «معالم السنن» مع «سنن أبي داود» (4/ 528 - 529) للخطابي، و «دلائل الأحكام» (4/ 78 - 79) لابن شداد.
(2) «الصارم المسلول» (19) ، و «أحكام أهل الذمة» (2/ 814) لابن القيم.
(3) المصدرين السابقين (ص 19، 2/ 814) .