فهرس الكتاب
الصفحة 742 من 1137

أمَّا مذهب الإمام أحمد فقد نص على ما نص عليه مالك، من قتل الكافر الحربي إذا نال من حرمة الدين باستهزاء وسخرية، فقال: «كُلُّ من ذكر شيئًا يعرضُ بذكر الربّ تبارك وتعالى فعليه القتل، مسلمًا كان أو كافرًا، هذا مذهب أهل المدينة» [1] . وقال أيضاً: «كُلُّ من شتم النبي - صلى الله عليه وسلم - أو تنقصه، مسلمًا كان أو كافرًا فعليه القتل» [2] . قلت: لو اشترط الحربي مع دفع الجزية سبَّ الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - أو دين الإسلام، فهل يقبل منه ذلك أم لا؟

أجاب عن هذا أحد أئمة المالكية في زمانه [3] ، فقال: «ولو بذل الحربيُّ الجزية على إظهار السب للأنبياء عليهم السلام لم نقبله، وحلَّ لنا دمه، فكذلك يَحِلُّ دَمُهُ بالسبِّ الطارئ، ويسقط القتل في السبِّ بإسلامه» [4] .

قال ابن القيم عند قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ ... } الآية [البقرة: 193] ، فمدَّ قتالهم إلى أن ينتهوا عن أسباب الفتنة، وهي الشرك، وأخبر أنَّهُ لا عدوان إلى على الظالمين؛ والمجاهر بالسبِّ والعدوان على الإسلام غير منتهٍ، فقتاله واجب إذا كان مقدورًا عليه، وقتله مع القدرة حَتْمٌ، وهو ظالم فعليه العدوان الذي نفاه عمن انتهى، وهو القتل والقتال، وهذا بحمد الله في غاية الوضوح» [5] .

(1) «أحكام أهل الملل» (ص 225) لابن الخلّال، و «الصارم المسلول» (ص 259) لابن تيمية، و «أحكام أهل الذمة» (2/ 792) لابن القيم، و «لوامع الأنوار البهية» (1/ 397) للسفاريني.

(2) المصدر نفسه (ص 255 - 256) ، و «الصارم المسلول» (ص 10) لابن تيمية، و «أحكام أهل الملل» (2/ 796) للخلال.

(3) هو أبو سعيد عبد السلام بن حبيب بن حسان بن هلال بن بكار بن ربيعة بن عبد الله التنوخي، الحمصي الأصل، المغربي القيرواني، المالكي، (ت 240 هـ) . انظر: «ترتيب المدارك» (1/ 585 - 626) ، و «السير» (12/ 63 - 69) ، و «العبر» (1/ 340) .

(4) «الذخيرة» (12/ 20) للقرافي.

(5) «أحكام أهل الذمة» (2/ 829) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام