أنفسهم، رمتهم العربُ واليهودُ عن قوس واحدة، وشمَّروا لهم عن ساقِ العداوةِ والمحاربة، وصاحوا بهم من كُلِّ جانب، والله سبحانه يأمر بالصبر والعفو حتى قويت الشوكةُ، واشتد الجناحُ، فأذن لهم حينئذٍ في القتال، ولم يفرضه عليهم، فقال تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39] [1] .
ثم فرض عليهم القتال بعد ذلك لمن قاتلهم دون من لم يقاتلهم فقال تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190] .
ثُمَّ فرض بعد ذلك قتال المشركين كافَّة وكان محرمًا، ثم مأذونًا به، ثم مأمورًا به لمن بدأهم بالقتال، ثم مأمورًا به لجميع المشركين [2] ، والأدلة عليه كثيرة في القرآن الكريم، منها قوله تعالى: { ... وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 36] ، وقوله: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] ، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 123] . وقوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَوا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ} [البقرة: 193] ، وقوله - عز وجل: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ
(1) «زاد المعاد» (3/ 69 - 70) ، وقد زعم طائفة أن هذا الإذن كان بمكة، والسورة مكية، وهذا غلط رده ابن القيم بنحو ستة أوجه. انظر: «زاد المعاد» (ص 703) .
(2) انظر: «زاد المعاد» (3/ 71) لابن القيم.