ثم ذكر الإمام البغوي كلام الإمام مالك الذي سبق الإشارة إليه في كلام الإمام النووي - عليه رحمة الله - فكل من جاء بعده من العلماء فقد ذهب إلى هذا التفصيل في معنى الحديث.
وورود النهي عن السخرية بالمؤمنين والاستهزاء بهم، بتتبع عوراتهم، واغتيابهم في حديث أبي برزة الأسلمي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم تتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته» [1] .
ففي الحديث تنبيه على أن غيبة المسلم من شعار المنافق لا المؤمن، كما أن فيه التنفير من هتك عورات المسلمين وتتبعها وفضحها بين الناس احتقارًا وازدراءً بالآخرين، فعقوبة ذلك قد تُعَجَّل لصاحبها في الدنيا، وقد تؤخر يوم القيامة، في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها [2] .
هذا النهي العام في القرآن والسنة عن تحقير المسلمين وانتقاصهم أول ما يدخل فيه الصحابة - رضوان الله عليهم - فهم أولى بكل تنزيه عن النقائص من عامة المؤمنين، فإكرامهم واحترامهم واجب ديني
(1) رواه أبو داود في كتاب الأدب، باب في الغيبة، برقم (4880) (5/ 194 - 195) ، قال الهيثمي: «رجاله ثقات» . «المجمع» (8/ 53) ، وجوّد إسناده الحافظ العراقي في «تخريج الإحياء» (3/ 142) ، وصححه الشيخ الألباني في «صحيح سنن أبي داود» برقم (4083) (3/ 923) .
(2) انظر: «عون المعبود» (13/ 224) ... لأبي الطيب.