المجالات، والاحتساب على الكبير والصغير والأمير والمأمور، قيامًا لله بالأمانة وبيانًا للمحجة، وفضحًا لسبيل المفسدين، وكُلُّ هذا بدعوى عدم الخوض في السياسة.
يقول الشيخ مصطفى صبري رحمه الله: «والذين جردوا الدين في ديار الإسلام عن السياسة كانوا هم وإخوانهم لا يرون الاشتغال بالسياسة لعلماء الدين، بحجة أنه لا ينبغي لهم وينقص من كرامتهم، ومرادهم حكر السياسة وحصرها لأنفسهم، ومخادعة العلماء بتنزيلهم منزلة العجزة، فيقبلون أيديهم، ويخيلون لهم بذلك أنهم محترمون عندهم، ثُمَّ يفعلون ما يشاؤون بدين الناس ودنياهم، محررين عن احتمال أن يجيء من العلماء أمر بمعروف أو نهي عن منكر، إلّا ما يُعَدُّ من فضول اللسان، أو ما يكمن في القلب، وذلك أضعف الإيمان.
فالعلماء المعتزلون عن السياسة، كأنهم تواطؤا مع كل الساسة، صالحيهم وظالميهم، على أن يكون الأمر بأيديهم ويكون لهم منهم رواتب الإنعام والاحترام، كالخليفة المتنازل عن السلطة وعن كل نفوذ سياسي ... » [1] .
هذا حال الطيبين من العلماء؛ أمَّا غيرهم مِمَّن فُتِنُوا بزخرف الحياة الدنيا وزينتها وأموالها، وشهوات السلاطين والرؤساء من الملأ المستكبرين، ركضوا وراء ذلك كُلِّه، واتخذوا الدين وسيلة لجمع حطام الدنيا الفانية، ورحم الله الجبرتي [2] إذ يصف حال العلماء في تلك الفترة التي أَرَّخَ لها، وكيف كان الولاة يرفعون الضرائب والحصص -
(1) «الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر» (2/ 84) محمد محمد حسين.
(2) عبد الرحمن بن حسن الجبرتي، مؤرخ مصري، ومدون وقائعها وسير رجالها في عصره، توفي سنة (1237 هـ - 1822 م) . انظر: «الأعلام» (3/ 304) .