إلى وزير الدولة التونسية لمَّا منع من الهجرة إلى خارج تونس حيث كتب في رسالته: «ليعلم سيدي أني رجل بعيد عن معنى السياسة في نازلة الحال بالنظر لذاتي، أمَّا بالنظر لذاتي فغير خفي عن جنابكم أني من خَدَمَة العلم الشريف، وغاية شغلي هو تدريس التوحيد والفقه والعربية بجامع الزيتونة كل يوم تطوعًا لله، وقد قال ابن خلدون: إنَّ أهل العلم أبعد الناس عن السياسة ... » [1] .
ويقول شيخ الأزهر في زمانه الشيخ «عبد الرحمن الشربيني» [2] في لقاء معه أجرته جريدة «الجوائب المصرية» قال فيه: « ... وقد رأيت الكثيرين من إخواني - خَدَمَة العلم - في منصب المشيخة، فوجدتهم أبعد الناس عن الاشتغال بالسياسة!! أشدهم فرارًا من مظاهر الدنيا الباطلة، كانوا ينقطعون لخدمة العلم ويجلسون للتدريس كسائر العلماء لا يميزهم إلّا فضلهم الباهر، وذكرهم العاطر» .
ويقول - أيضاً: «حتى إن من العلماء من ينزل وهو في موقف الخدمة للعلم الشريف إلى دلالة الطلبة على جريدة فلان ليقرءوها أو مجلة فلان ليتصفحوها، ومثل هذا في تاريخ الأزهر من قبل ما سمعت ولا رأيت ... » [3] .
هذا واقع كثير من العلماء في طول البلاد الإسلامية وعرضها تَخَلَّوا عن كثير من مهماتهم كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جميع
(1) «الرحلة الحجازية» (2/ 12) محمد التونسي، نقلًا عن «الانحرافات العقدية والعلمية» (ص 595) .
(2) هو عبد الرحمن بن محمد بن أحمد الشربيني، فقيه شافعي أصولي مصري، ولي الأزهر عام (1324 هـ-1908 م) توفي سنة (1326 هـ) . انظر: «الأعلام» (3/ 334) للزركلي.
(3) «تاريخ الأستاذ الإمام» (1/ 503) نقلًا عن «الانحرافات العقدية والعلمية» (ص 597) علي بخيت.