بصراحتهم وظهور عداوتهم، واتضاح وجوب منابذتهم ومخالفتهم في الدين بحيث لا يجنح إليهم أو يواليهم من في قلبه إيمان صحيح.
لكن مصيبة المسلمين، ومداخل الشر إليهم هي النوع الثالث (المنافق) المرتدي زي الصديق المتعلق بلسانه الذي يظهر الإيمان والاعتراف بالله وتقديس رسوله والقرآن، وهو يحمل في قلبه الغيظ للمسلمين ما لا يقل عن غيظ الكفار أو يزيد، ... » [1] .
وقد قص الله تعالى لنا في كتابه شيئاً من سخرية المنافقين فقال: {وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} [التوبة: 58] .
وقال - جل وعلا: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة: 79] .
قال ابن تيمية رحمه الله: «واللمز: العيب والطعن، قال مجاهد: يتهمك ويزدريك، وقال عطاء: يغتابك، وقال الله تعالى: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ} [التوبة: 61] ، وذلك يدل على أن كل من لمزه أو آذاه كان منهم (يعني: من المنافقين) ، لأن «الذين» و «من» اسمان موصلان، وهما من صيغ العموم، والأدلة وإن كانت نزلت بسبب لمز قوم وإيذاء آخرين فحكمها عام كسائر الآيات اللواتي نزلن على أسباب، وليس بين الناس خلاف نعلمه أنها تعم الشخص الذي نزلت بسببه ومن كان حاله كحاله، ولكن إذا كان اللفظ أعمَّ من ذلك السبب فقد قيل: إنَّهُ يقتصر على سببه، والذي عليه جماهير الناس أنَّهُ يجب الأخذُ بعموم القول، ما لم يقم دليل يوجب القصر على السبب، كما هو مقرر في موضعه.
(1) «صفوة الآثار والمفاهيم» (2/ 16) .