فالحادي لأكثر المستهزئين - قديمًا وحديثًا - بدين الله تعالى، وبرسله - عليهم الصلاة والسلام - هو الكبر، يقول الغزالي رحمه الله: «السخرية والاستهزاء استحقارًا فإنّ ذلك قد يجري في الحضور، ويجري - أيضاً - في الغيبة ومنشؤه التكبُّرُ واستصغار المستهزأ به» [1] .
ويقول الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: «أصل الحنيفية عبادة الله وحده لا شريك له، وتجنُّب الشرك، كما قال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [النساء: 36] ، ومغلظ الكفر: الكبر والشرك، فإن كان الإنسان ما عبد الله فهو مستكبر، مثل ما يقع من غالب البدو من التَّهزِّي بالوضوء والصلاة ... » [2] .
وقد أوضح العلماء أنَّ الكبر سبب للكسر من أعراض الناس والطعن فيهم، وذلك استنباطًا من قوله تعالى: {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ * الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ} [الهمزة: 1 - 3] .
قال القاسمي رحمه الله فيما نقله عن القاشاني: «في بيان آفات رذيلتَي الهمز واللمز اللتين نزلت في وعيدهما السورة ... رذيلتان مركبتان من الجهل والغضب والكبر. لأنهما يتضمنان الإيذاء وطلب الترفع على الناس. وصاحبهما يريد أن يتفضل على الناس، ولا يجد في نفسه فضيلة يترفع بها. فينسب العيب والرذيلة إليهم، ليظهر فضله عليهم.
ولا يشعر أنَّ ذلك عين الرذيلة. وهو مخدوع من نفسه وشيطانه موصوف برذيلتي القوة النطقية والغضبية» [3] .
وأختم هذا السبب بذكر وعيد لله - سبحانه وتعالى - للمتكبرين يوم القيامة، قال
(1) «إحياء علوم الدين» (3/ 147) .
(2) «الدرر السنية» (2/ 38) .
(3) «محاسن التأويل» (7/ 385) .