بذلك على القريب والبعيد، والصديق والعدو ... » [1] .
وقد عاش الرعيل الأول في ذاك المجتمع النقي في ظل العدل الرباني المتمثل في الصورة الواقعية التي عاشها المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وورثها من بعد خلفاؤه الراشدون، وبقية الصحابة رضي الله عنهم الأمر الذي شهد به الأعداء فضلًا عن الأصدقاء، فلا بد من وقفة مع صورة من صور العدل الإسلامي وهي كثيرة جدًا - في الصدر الأول للإسلام، ليس مع المسلمين فيما بينهم بل مع الأعداء الصرحاء «اليهود» ، فقد روى الإمام أحمد بسنده عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: «أفاء الله - عز وجل - خيبر على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأقرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما كانوا، وجعلها بينه وبينهم، فبعث عبد الله بن رواحة فخرصها عليهم، ثم قال لهم (يعني ابن رواحة) : يا معشر اليهود: أنتم أبغض الخلق إليّ، قتلتم أنبياء الله - عز وجل -، وكذبتم على الله، وليس يحملني بغضي إياكم على أن أحيف عليكم، قد خرصت عشرين ألف وسق من تمر، فإن شئتم فلكم، وإن أبيتم فلي، فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض، قد أخذنا، فاخرجوا عنا» [2] .
ومن ثمار هذا الأصل العظيم، ما تَنَعَّمَ به المجتمع المسلم في القرون المفضلة ومن بعدهم، فقد يدفع الله بالعدل عذابًا يوشك أن يقع ولو كان هذا العدل من أفراد، روى عبد الرزاق بن همام .. أن جيشًا [من المسلمين] مروا بزرع رجل من أهل الذمة، فأرسلوا فيه دوابهم، وحبس رجل منهم دابته فقال: كفانيك الله - أو قال: كفاني الله بك - فلولا أنت كفيت هؤلاء، ولكن إنما يدفع عن هؤلاء بك» [3] .
(1) «تيسير الكريم الرحمن ... » (2/ 122) للعلامة السعدي.
(2) «المسند» (3/ 450) . قال الهيثمي في «المجمع» (4/ 121) : «رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح» .
(3) «المصنف» (6/ 91 - 92) .