وحصلوا على الشقاوة الأبدية» [1] .
وأختم الكلام في هذه المسألة بما ذكره الإمام ابن القيم في كتابه «الوابل الصيب من الكلم الطيب» ، فقال: «ولم يزل في نفسي من هذه المسألة، ولم أزل حريصًا على الصواب فيها وما رأيت أحدًا شفى فيها، والذي يظهر - والله تعالى أعلم وبه المستعان ولا قوة إلا به - أنَّ الحسنات والسيئات تتدافع وتتقابل ويكون الحكم فيها للغالب وهو يقهر المغلوبين ويكون الحكم له حتى كأن المغلوب لم يكن، فإذا غلبت على العبد الحسنات رفعت حسناته الكثيرة سيئاته، ومتى تاب من السيئة ترتب على توبته منها حسنات كثيرة قد تربي وتزيد على الحسنة التي حبطت بالسيئة، فإذا عزمت على التوبة وصحت ونشأت من صميم القلب أحرقت ما مرت عليه من السيئات حتى كأنها لم تكن، فإنَّ التائب من الذنب لا ذنب له.
وقد سأل حكيم بن حزام - رضي الله عنه - النبي - صلى الله عليه وسلم - عن عتاقة وصلة وبر فعله في الشرك هل يثاب عليه؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: «أسلمت على ما أسلفت من خير» [2] ، فهذا يقتضي أنَّ الإسلام أعاد عليه ثواب تلك الحسنات التي كانت باطلة بالشرك، فلمَّا تاب من الشرك عاد إليه ثواب حسناته المتقدمة. فهكذا إذا تاب العبد توبة نصوحًا صادقة خالصة أحرقت ما
(1) «تيسير الكريم الرحمن» (2/ 117 - 118) ، وقد سألت فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح بن عثيمين عن هذه المسألة - حبوط العمل بالردة أم الموافاة عليها - فأجابني: بأن الموت على الردة شرط في حبوط العمل، واستدل بآية البقرة، فقلت له: هناك آيات مطلقة، فقال تحمل على هذه الآية المقيدة: {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} .
(2) أخرجه البخاري، كتاب الزكاة، باب من تصدق في الشرك ثم أسلم، برقم (1436) ، «فتح» (3/ 354) وأطرافه (2220، 2538 - 5992) ، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان حكم عمل الكافر إذا أسلم بعده، برقم (194) ، «نووي» (2/ 499) .