لقوله تعالى: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا} [البقرة: 160] ، والزنديق لا يظهر منه علامة تبين رجوعه وتوبته، لأنه كان يظهر الإيمان ويسر الكفر فإذا وقف على ذلك، فأظهر التوبة، لم يزد على ما كان منه قبلها وهو إظهار الإسلام [1] .
قال ابن قدامة رحمه الله: « ... مفهوم كلام الخرقي، أنه إذا تاب قبلت توبته، ولم يقتل، أيُّ كفرٍ كان، وسواء كان زنديقًا يستسر بالكفر، أو لم يكن، وهذا مذهب الشافعي والعنبري، ويروى ذلك عن علي وابن مسعود وهو أحد الروايتين عن أحمد واختيار أبي بكر الخلال ... » [2] .
ويدل عليه صنيع الإمام أبي سعيد الدارمي في كتابه «الرد على الجهمية» حيث عقد في آخره «باب قتل الزنادقة والجهمية واستتابتهم من كفرهم» وصدَّره بحديث علي في قتل الزنادقة وتحريقهم بالنار - وسيأتي قريبًا - ثم نقل مذهب مالك والشافعي ثم قال: «وأنا أقول كما قال الشافعي: إنه تقبل علانيتهم، إذا اتخذوها جُنَّة لهم من القتل، أسروا في أنفسهم ما أسروا فلا يقتلون، كما أن المنافقين {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [المنافقون: 2] فلم يؤمر بقتلهم والزنديق عندنا شر من المنافق [3] .... » [4] .
وحديث علي الذي أشار إليه الدارمي - هو نص في المسألة - روى البخاري بسنده عن عكرمة قال: «أُتِيَ علي - رضي الله عنه - بزنادقة فأحرقهم، فبلغ ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم لنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم: لا تعذبوا
(1) انظر: «أحكام القرآن» (2/ 979) ، و «المغني» (12/ 269) لابن قدامة.
(2) «المغني» (12/ 269) . وانظر عن اختيار الخلال: «أحكام أهل الملل» (ص 459 - 463) .
(3) هناك فروق بين الزنديق والمنافق، فكل زنديق منافق وليس العكس. انظر: «فتح الباري» (12/ 283) لابن حجر، و «المسائل والرسائل ... » (2/ 89) للأحمدي.
(4) «الرد على الجهمية ضمن عقائد السلف» (ص 355) .