أهل الإفك رموا عائشة المطهرة بالفاحشة، فبرأها الله، فكلُّ من سبَّها بما برأها الله منه فهو مكذِّب لله، ومن كذَّب الله فهو كافر. فهذا طريق قول مالك، وهي سبيل لائحة لأهل البصائر، ولو أن رجلًا سبَّ عائشة بغير ما برّأها الله منه لكان جزاؤه الأدب [1] .
قال الإمام محمد بن عبد الوهاب: «فاعلم أنه من قذفها بالفاحشة مع اعتقاد أنها زوجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنها بقيت في عصمته بعد هذه الفاحشة فقد جاء بكذب ظاهر واكتسب الإثم واستحق العذاب، وظنَّ بالمؤمنين سوءًا وهو كاذب، وأتى بأمر ظنه هينًا وهو عند الله عظيم، واتَّهَمَ أهل بيت النبوة بالسوء، ومن هذا الاتهام يلزم نقص النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن نقصه فكأنما نقص الله ومن نقص الله ورسوله فقد كفر، وهو بفعله هذا خارج عن أهل الإيمان ومتبع لخطوات الشيطان، وملعون في الدنيا والآخرة، ومكذب لله في قول تعالى: {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ} [النور: 26] ، ومن كذّب الله فقد كفر.
ومن قذفها مع زعمه أنها زوجته أو لم تبق في عصمته بعد هذه الفاحشة فإن قلنا: إنه ثبت قطعًا أنها هي المرادة بهذه الآيات وهو الظاهر، يلزم من قذفها ما تقدم من القبائح، والحاصل أن قذفها كيفيما كان يوجب تكذيب الله تعالى في إخباره عن تبرئتها عمّا يقول القاذف فيها.
وقد قال بعض المحققين من السادة العلماء: «وأمَّا قذفها الآن فهو كفر وارتداد؛ ولا يكتفى فيه بالجلد لأنه تكذيب لسبع عشرة آية من كتاب الله ...
فيقتل ردّة، وإنما اكتفى - صلى الله عليه وسلم - بجلدهم - أي من قذفها في زمنه - مرة أو مرتين لأَنَّ القرآن ما كان أنزل في أمرها فلم يكذبوا القرآن فأمَّا الآن
(1) المصدر السابق (3/ 1356) ، و «الجامع لأحكام القرآن» (12/ 137) للقرطبي.