فهرس الكتاب
الصفحة 715 من 1137

قال هشام بن عمَّار رحمه الله: سمعت مالكًا يقول: من سبَّ أبا بكر جُلِدَ، ومن سبَّ عائشة قُتِل، قيل له: لِمَ؟ قال: من رماها فقد خالف القرآن [1] .

قلت: مقصوده رحمه الله أنَّ الله تعالى أنزل براءتها في كتابه، فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ * لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ} ، إلى قوله: {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [النور: 11 - 17] .

فمن سب عائشة فقد خالف القرآن، ومن خالف القرآن قُتِل، وقتله يكون ردة، لأنَّهُ مكذب للقرآن الذي أفصح عن براءتها، وحذَّر من العود لمثله، إلّا أن أصحاب الشافعي قالوا: «من سبَّ عائشة أُدِّب، كما في سائر المؤمنين، وليس في قوله تعالى: {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} دليل على أنَّ ذلك كفر، وإنما هو كما قال - صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن من لا يأمن جارُه بوائقه» [2] . ولو كان سلب الإيمان في سبّ عائشة حقيقة لكان سلبه في قوله - صلى الله عليه وسلم: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» [3] ، حقيقة [4] .

(1) «أحكام القرآن» (3/ 1356) لابن العربي، و «الجامع لأحكام القرآن» (12/ 137) للقرطبي، و «الشفا» (2/ 1109) للقاضي عياض، و «الصارم المسلول» (ص 568) ، و «إعلاء السنن» (18/ 252) .

(2) أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب إثم من لا يأمن جارُهُ بوائقه، برقم (6016) ، «فتح» (10/ 457) ، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان تحريم إيذاء الجار، برقم (73) ، «نووي» (2/ 376 - 377) .

(3) أخرجه البخاري، كتاب الحدود، باب الزنا وشرب الخمر، برقم (6772) ، «فتح» (12/ 59) ، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان نقصان الإيمان بالمعاصي .. ، برقم (100، 101) ، «نووي» (2/ 401 - 403) .

(4) «أحكام القرآن» (3/ 1356) لابن العربي.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام