فهرس الكتاب
الصفحة 58 من 1137

حقيقة مذهبهم في المحبة: ما قاله عنهم ابن القيم رحمه الله: «وقع في كلاهم تخبط قبيح وأحسن أمره أن يكون من السعي المغفور لا المشكور، وكان بعض جهلتهم إذا رأى من يذكر الله أو يحبه يغار وربما سكّته إن أمكنه، ويقول: غيرة الحب تحملني على هذا، وإنما ذلك حسد وبغي وعدوان ونوع معاداة لله، ومراغمة لطريق رسله أخرجوها في قالب الغيرة، وشبهوا محبة الله بمحبة الصور من المخلوقين» [1] .

قال ابن تيمية رحمه الله: « ... وإنما يغلط من يغلط في هذه من حيث يتوهمون أن العبودية مجرد ذل وخضوع فقط لا محبة معه، وأن المحبة فيها انبساط في الأهواء أو إذلال لا تحتمله الربوبية، فكره من كره من أهل المعرفة والعلم مجالسة أقوام يكثرون الكلام في المحبة بلا خشية، وقال من قال من السلف: من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق [2] ، ومن عبده بالرجاء وحده فهي مرجي [3] ، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري [4] ، ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن موحد.

ولهذا وجد في المتأخرين من انبسط في دعوى المحبة حتى أخرجه ذلك إلى نوع من الرعونة والدعوى التي تنافي العبودية، وتدخل العبد في نوع من الربوبية التي لا تصلح إلا لله، ويدعي أحدهم دعاوى تتجاوز حدود الأنبياء والمرسلين، أو يطلبون من الله ما لا يصلح بكل وجه إلا لله، لا

(1) المصدر السابق (ص 283) .

(2) سيأتي بيان معناه في الباب الثالث عند الحديث عن أقسام المستهزئين - إن شاء الله -.

(3) نسبة إلى المرجئة الذين يرون أنه لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة.

(4) يعني من الخوارج الذين أخذوا بنصوص الوعيد دون نصوص الوعد، ويقال لهم: الحرورية نسبة إلى حروراء، وهي قرية قرب الكوفة تجمع فيها الخوارج لما خرجوا على الخليفة الراشد علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام