خالين إلى مردتهم من المنافقين والمشركين، قالوا: إنا معكم على ما أنتم عليه من التكذيب بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وبما جاء به، ومعاداته ومعاداة أتباعه، إنما نحن ساخرون بأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - بقيلنا لهم إذا لقيناهم: {آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ} [1] .
فإذا تأملنا في خطاب المنافقين لمن يوالونهم ظاهرًا وباطنًا، ومن يوالونهم ظاهرًا فقط، نجد البون واسعًا، والفرق ظاهرًا، فقد لحظ هذا الإمام ابن القيم رحمه الله فقال: «فإنهم إنما خاطبوا المؤمنين بالجملة الفعلية وشياطينهم بالجملة الاسمية المحققة بإنَّ المشددة، فقالوا في خطاب المؤمنين - آمنَّا - ولإخوانهم - إنا معكم - لأنهم في مخاطبة إخوانهم بما أخبروا به عن أنفسهم من الثبات على اعتقاد الكفر والبعد من أن ينزلوا عنه على صدق ورغبة ووفور نشاط، وكان ذلك متقبلًا منهم ورائجًا عند إخوانهم، وما قالوه للمؤمنين؛ فإنما قالوه تكلفًا وإظهارًا للإيمان خزيًا ومداجاة [2] ، وكانوا يعلمون أنهم لو قالوا بأوكد لفظ وأشده لما راج لهم عندهم إلا رواجًا ظاهرًا لا باطنًا، ولأنهم ليس لهم من عقائدهم باعث قوي على النطق في خطاب المؤمنين بمثل ما خاطبوا به إخوانهم من العبارة المؤكدة، فلذلك قالوا في خطاب المؤمنين بخلاف ما قالوه في خطاب إخوانهم، وصرَّحوا في كلامهم لإخوانهم أن ما خاطبوا به المؤمنين إنما هو هزء، فقالوا: {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} ، وهذه نكت دقيقة ولطائف خفية لا توجد في نوع من
(1) «جامع البيان» (1/ 165) للطبري. وانظر: «تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان» (1/ 23) للشيخ عبد الرحمن بن سعدي.
(2) أي: مداهنة.