النفاق، فأخبر الغلام رسول الله - عليه الصلاة والسلام - فحلف ابن أُبيّ ما قال ذلك، فأنزل الله تصديق زيد، وتكذيب عبد الله بن أُبيّ في سورة المنافقون [1] .
ومن صور سخرية المنافقين واستهزائهم: ما حدث في منطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى تبوك، بعد علمه بما أعدت الروم لقتال المسلمين، من جيوش جرَّارة، تفوق المسلمين عددًا وَعُدّةً، فكان ممن خرج في تلك الغزاة عدد من المنافقين، فكان رهط منهم يشيرون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو منطلق إلى تبوك فيقول بعضهم لبعض: «أتحسبون جلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضًا؟ والله لكأنا بكم غدًا مقرنين في الحبال» [2] .
ففي هذا القول تنقص بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وبأصحابه المجاهدين في سبيل الله، فكان حِقدُ أهل النفاق يظهر على صفحات وجوههم، وفلتات ألسنتهم.
ومن صور الاستهزاء بالنبي - صلى الله عليه وسلم: «أن رجلًا قام إلى النبي - عليه الصلاة والسلام - وهو يخطب، فقال: جيراني بماذا أُخذوا، فأعرض عنه، مرتين، فقال: إن الناس يزعمون أنك تنهى عن الغي وتستخلي به، فقال لئن كنت أفعل ذلك إنه لعليّ، وما هو عليكم خَلُّوا له جيرانه» [3] .
(1) أصل الحديث رواه البخاري، كتاب التفسير، تفسير سورة المنافقين، باب قوله تعالى: {إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ ... } ، «فتح» (8/ 512) ، ومسلم في كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، أول حديث فيه، برقم (2772) ، «نووي» (17/ 125 - 126) .
(2) أخرجه ابن مردويه كما في «الدر المنثور» (3/ 456) ، والصالحي في «سبل الهدى والرشاد» (5/ 445) ، وقائل ذلك: مخشيِّ بن حمير، وقيل: ثعلبة بن حاطب، انظر: «السيرة النبوية» مجلد (2/ 524 - 525) لابن هشام.
(3) انظر: «الصارم المسلول» (ص 241) لابن تيمية. والحديث أخرجه أبو داود في كتاب الأقضية، باب في الحبس في الدين وغيره، برقم (3631) (4/ 47) ، والترمذي في الديات، باب الحبس في التهمة، برقم (1417) (4/ 20) ، والنسائي في قطع السارق، باب الحبس في التهمة، برقم (7362) (4/ 328) ، وأحمد في «المسند» (5/ 3) ، برقم (20039، 20041) ، وما نقلته عن ابن تيمية مقارب للفظ أحمد. والحديث حسن إسناده ابن تيمية في: «الصارم» (241) ، والألباني في: «صحيح سنن أبي داود» (2/ 692) ، برقم (3088) .