قال أبو عبد الله القرطبي: في هذه الآية دليلان:
أحدهما: على تجنب الألفاظ المحتملة التي فيها التعريض للتنقيص والغض، ...
الثاني: التمسك بسدِّ الذرائع [1] ، وحمايتها وهو مذهب مالك وأصحابه وأحمد بن حنبل في رواية عنه، وقد دَلَّ على هذا الأصل: الكتاب والسنة ... أمَّا الكتاب فهذه الآية قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقُولُوا رَاعِنَا ... } ، ووجه التمسك أن اليهود كانوا يقولون ذلك، وهي سب بلغتهم؛ فلمَّا علم الله ذلك منهم؛ منع من إطلاق ذلك اللفظ؛ لأنه ذريعة للسبِّ» [2] .
هذا غيض من فيض ممَّا واجه به اليهود الإسلام في الصدر الأول على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلم يكن اليهود وحدهم في هذا الميدان، بل شاركهم النصارى فتشابهت قلوبهم وأعمالهم من وجوه كثيرة منها حرب الإسلام، وعداوة المسلمين، والسخرية برسل الله - عليهم الصلاة والسلام -.
(1) عرّف القرطبي رحمه الله الذريعة، فقال: «عبارة عن أمر غير ممنوع لنفسه يخاف من ارتكابه الوقوع في الممنوع. «الجامع لأحكام القرآن» (2/ 40) للقرطبي، وعرفها الشاطبي في «الموافقات» (4/ 199) ، فقال: «حقيقتها: التوسل بما هو مصلحة إلى مفسدة» . وذكر الخلاف بين المالكية والشافعية، من اعتبار سد الذرائع من عدمه، وخرج من عرض الخلاف في المسألة برأي موحد للمالكية والشافعية، فقال (4/ 200 - 201) : «فقد ظهر أن قاعدة الذرائع متفق على اعتبارها في الجملة، وإنما الخلاف في أمر آخر» . انظر: «الموافقات» (4/ 198 - 201) .
(2) «الجامع لأحكام القرآن» (2/ 40 - 41) ، وقد ذكر أمثلة كثيرة أخرى تدل على هذا الأصل العظيم. «سد الذرائع» .