165]، وقال - سبحانه وتعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15] .
ثم قال ابن الراوندي: «من فاحش ظلمه قوله: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} [النساء: 56] . فعذّب جلودًا لم تعصه!» ، وهذا الأحمق لا يفهم أن الجلد آلة للتعذيب فهو كالحطب يحرق لإنضاج غيره، ولا يقال: أنه معذب، وقد قال العلماء: أن الجلود الثانية هي الأولى أعيدت كما يعاد الميت بعد البلى» [1] .
ومن صور السخرية بالقرآن: ما فعله رأس الجهمية [2] الضال: الجهم بن صفوان كما روى البخاري، قال: حدثني أبو جعفر، حدثني ابن أيوب، قال: سمعت أبا نعيم البلخي، قال: كان رجل من أهل «مرو» صديقًا للجهم، ثم قطعه وجفاه، فقيل له: لم جفوته؟ فقال: جاء منه ما لا يحتمل، قرأت يومًا آية كذا وكذا، - نسيها يحيى - فقال: ما أظرف محمدًا، فاحتملتها، ثمَّ قرأ سورة [طه] فلما قال: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ
(1) المصدر السابق (6/ 103) . وانظر: «المحرر الوجيز» لابن عطية (2/ 69) ، و «لباب التأويل» (1/ 390) للخازن، و «محاسن التأويل» (2/ 395) للقاسمي. قال القاسمي: «لهم في التبديل وجهان:
الأول: أنه تبديل حقيقي مادي، فيخلق مكانها جلودٌ أُخر جديدة مغايرة للمحترقة.
الثاني: أنه تبديل وصفي: أي أعدنا الجلود جديدة مغايرة للمحترقة صورة، وإن كانت عينها مادة، بأن يزال عنها الاحتراق ليعود إحساسها للعذاب، فلم تبدل إلا صفتها، لا مادتها الأصلية، وفيه بُعد، إذ يأباه معنى التبديل». «محاسن التأويل» (2/ 352) ، والأول أقرب، لأنه على الحقيقة ومطابق لظاهر الآية.
(2) الجهمية فرقة كلامية تنتسب إلى الجهم بن صفوان، ينكرون الأسماء والصفات لله تعالى، ولهم عقائد باطلة، قال عنهم الإمام أحمد: «ما أحد على أهل الإسلام أضر من الجهمية، ما يريدون إلا إبطال القرآن، وأحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» . «طبقات الحنابلة» (1/ 47) لابن أبي يعلى.