بعذاب الدنيا بالسيف، وعذاب الآخرة، فتلك أنباءٌ أنبأهم بها فكذبوه واستهزءوا به، فتوعدهم بأن تلك الأنباء، سيصيبهم مضمونها.
فلما قال لهم: {مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} . علموا أنها أنباء القرآن لأنهم يعلمون أنهم يستهزئون بالقرآن، وعلم السامعون أن هؤلاء كانوا مستهزئين بالقرآن ... » [1] .
ومن صور الاستهزاء بالقرآن: ما يكون من أهل السماع المحرم، والغناء المذموم، وما يحصل لهم من الخشوع والسكون لكلام البشر، ما لا يكون مثله عند سماع القرآن وآياته، قال اين تيمية: «ومثل هذا أنه إذا سمع أحدهم سماع الأبيات يحصل له من الخضوع والخشوع والبكاء ما لا يحصل له مثله عند سماع آيات الله فيخشع عند سماع المشركين المبتدعين ولا يخشع عند سماع المتقين المخلصين، بل إذا سمعوا آيات الله اشتغلوا عنها وكرهوها واستهزءوا بها وبمن يقرأها ما يحصل لهم به أعظم نصيب من قوله تعالى: {قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} [التوبة: 65] ، وإذا سمعوا القرآن سمعوه بقلوب لاهية، وألسن لاغية، كأنهم صم وعمي، وإذا سمعوا الأبيات حضرت قلوبهم وسكنت حركاتهم حتى لا يشرب العطشان منهم ماءً» [2] .
(1) «التحرير والتنوير» (7/ 136) لابن عاشور. وانظر: «المحرر الوجيز» (2/ 268) لابن عطية، و «لباب التأويل» (2/ 99) للخازن، و «محاسن التأويل» (3/ 276) للقاسمي.
(2) «تلخيص الاستغاثة» (ص 351) . وانظر: «الدرر السنية» (8/ 148) جمع عبد الرحمن بن قاسم.