التنقص بالمشايخ والأنبياء والصالحين، وما ذنبهم إلا أنهم قالوا: إنهم عبيد لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم ضرًا ولا نفعًا، ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا، وأنهم لا يشفعون لعابديهم أبدًا ... » [1] .
فأي الطائفتين وأي الحزبين أولى بهذا الجرم الكبير؟ من يعتقد بالتوحيد، ويحقق العبادة كما أمر الله تعالى، أم من يسلك مسالك عمرو بن لحي بن عامر الخزاعي [2] ، الذي كان أول من نصب الأنصاب حول البيت، وغيّر ما كان من ملة إبراهيم الحنيفية السمحة، شريعة التوحيد.
يقول ابن تيمية: « ... فإذا كان دعاء الموتى مثل الأنبياء والصالحين، يتضمن هذا الاستهزاء بالله وآياته ورسوله فأي الفريقين أحق بالاستهزاء بالله وآياته ورسوله؟ من كان يأمر بدعاء الموتى والاستغاثة بهم مع ما يترتب على ذلك من الاستهزاء بالله وآياته ورسوله، أو من كان يأمر بدعاء الله وحده لا شريك له كما أمرت رسله، ويوجب طاعة الرسول، ومتابعته في كل ما جاء به؟» [3] .
لا شك أن الجواب معروفٌ بداهة عند أهل الفطر المستقيمة، والعقول السليمة، أن الأولى بالاستهزاء والتنقص لله جلَّ وعلا هم أهل الشرك والتنديد، والتسوية، والعدل به في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، قال تعالى: {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ} [الأنعام: 1] .
(1) «إغاثة اللهفان» (1/ 61) . وانظر: «مدارج السالكين» (1/ 346) .
(2) انظر: أخباره وأثره على جزيرة العرب، «اقتضاء الصراط المستقيم» (1/ 312 - 314) حيث أورد ما رواه البخاري برقم (3521) ، ومسلم برقم (2856) بشأنه، و «إغاثة اللهفان» (2/ 207 - 221) لابن القيم.
(3) «تلخيص الاستغاثة» (ص 353) . وانظر: «الدرر السنية» (8/ 149) جمع عبد الرحمن بن قاسم.