والأجداد طغى في قلوبهم، وظهر على ألسنتهم وتصرفاتهم، فردّوا على إبراهيم بعد أن نكسوا: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ} ، فكان من حجة الله وبرهانه الذي آتاه نبيه وخليله، أن قال لهم: {قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء: 66 - 67] .
فكانت النهاية أن {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ * وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ} [الأنبياء: 68 - 72] .
وقد وقع بنو إسرائيل فيما وقع فيه من قبلهم، من عبادة غير الله، وفي عهد نبي الله موسى - عليه الصلاة والسلام - وهو حيٌّ بين ظهرانيهم، قال تعالى: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى * قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ} [1] ، إلى قوله تعالى: {فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ} [طه: 83 - 88] .
قال ابن القيم رحمه الله: «فانظر إلى هؤلاء، كيف اتخذوا إلهًا مصنوعًا مصوغًا من جوهر أرضي، إنما يكون تحت التراب، محتاجًا إلى سبك بالنار، وتصفية وتخليص لخبثه منه، مدقوقًا بمطارق الحديد، مقلبًا في النار مرة بعد مرة، قد نحت بالمبارد، وأحدث الصانع صورته وشكله على صورة الحيوان المعروف بالبلادة والذل، والضيم، وجعلوه
(1) وكان اسمه موسى ابن ظفر، وقع في أرض مصر فدخل في بني إسرائيل. انظر: «اللهفان» (2/ 304) لابن القيم.