أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا [مريم: 41 - 45] فكان ردُّ من أشرب حُبَّ الأصنام، وقَدَّم ما وجد عليه آباءه، تجاه هذا الخطاب اللين المؤدب: الوعيد والتهديد: {قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا} [مريم: 46] ، فجاشت عاطفة إبراهيم - عليه السلام - تجاه أبيه آزر [1] ، {قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} [مريم: 47] ، ومع هذه العاطفة لم يغفل إبراهيم عن طبيعة العلاقة بين الشرك والتوحيد التي تقوم على البراء، فقال: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ... } [مريم: 48] ، وما كان استغفاره لأبيه إلّا إنفاذًا للوعد الذي وعد أباه.
ويتجلى هذا الموقف من خليل الرحمن أمام تلك الآلهة المُدَّعاة التي لا تسمع ولا تبصر، ولا تغني عن عابديها شيئًا، بأن عزم على تحطيمها في الواقع بعد أن أيس من تحطيمها من قلوبهم، قال تعالى: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ * فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ * قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 57 - 59] ، فيغضب قومه من تحطيمه للأصنام، ويتآمرون عليه، ويكيدون: قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ * قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ * فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ * ثُمَّ
(1) قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} [الأنعام: 74] . قال ابن كثير: هذا يدل على أن اسم أبي إبراهيم آزر وجمهور أهل العلم منهم ابن عباس على أن اسم ابيه «تارح» ، وأهل الكتاب يقولون: «تارخ» بالخاء المعجمة، فقيل: إنه لُقِّبَ بصنم يعبده اسمه آزر، وقال ابن جرير: والصواب أن اسمه آزر، ولعل له اسمان علمان أو أحدهما لقب والآخر علم، وهذا الذي قاله محتمل، والله أعلم». «البداية والنهاية» (1/ 136 - 137) .