بآيات الله ورسوله فهو مستهزئ به، ومن استهزأ بالله فإنه مستهزئ بآياته ورسوله بطريق الأولى» [1] ، وقال ابن القيم: « ... وهذا لأن الشرك هضم لحق الربوبية، وتنقص لعظمة الإلهية، وسوء ظنٍّ برب العالمين» [2] .
وهذا الاستهزاء والتنقص لم يكن من قوم نوح وحدهم، بل شاركهم في ذلك من جاء بعدهم من عاد، وثمود، وأهل سدوم، وأهل مدين، وغيرهم [3] .
حتى جاء عهد إبراهيم خليل الرحمن [4] ، فبعث إلى قوم عكفوا على عبادة الأصنام، محتجين بأنهم وجدوا آباءهم كذلك يفعلون، قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [الشعراء: 69 - 74] .
فجاهد إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - تلك الأصنام وعابديها، وكان من بينهم والده فقد أشرب حُبَّ تلك الأصنام، قال تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا
(1) «تلخيص الاستغاثة» (ص 346) .
(2) «إغاثة اللهفان» (1/ 60 - 61) .
(3) سيأتي الحديث عن هذه الأمم في المبحث الثاني من هذا الفصل، عند الكلام عن صور الاستهزاء بالرسل - عليهم الصلاة والسلام -.
(4) ثبت من حديث أبي أمامة - رضي الله عنه - وتقدم قريبًا، وفيه، قال: كم بين نوح وإبراهيم، قال: «عشرة قرون» ... ، قال الهيثمي (8/ 210) : «رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير أحمد بن خليد الحلبي وهو ثقة» . وانظر تمام تخريجه في: «صحيح ابن حبان» (14/ 69 - 70) هامش (1) من تعليق المحقق الأستاذ شعيب الأرناؤوط.