فهرس الكتاب
الصفحة 225 من 1137

الشيخ تقي الدين بن تيمية فاستتابهم وَبَيَّنَ للكثير منهم الصواب وحصل بذلك خير كثير، وانتصار كبير على أولئك المفسدين، والتزموا برد ما كانوا أخذوا من أموال الجيش، وقرر عليهم (أي: ابن تيمية) أموالًا كثيرة - يحملونها إلى بيت المال، وأقطعت أراضيهم وضياعهم، ولم يكونوا قبل ذلك يدخلون في طاعة الجند ولا يلتزمون أحكام الملة، ولا يدينون بدين الحق، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله» [1] .

هذه صورة لعالم الأمة الرباني في زمنه تَحْمِلُ في ثنايا سطورها وكلماتها رسالة إلى علماء الأمة في هذا العصر لتقول لهم: إنَّ مهمتكم لا تقتصر على تعليم العلم وتدريسه في المساجد فحسب، بل إنَّ المطلوب منكم أعظم من هذا!! ولن ترضى الأمة لعلمائها عزلة الصوفية، ولا شبهة المرجئة، ولا دعوى العلمانية: بأنه لا دين في السياسة؛ ولا سياسة في الدين.

وأيضاً في هذه الصورة المشرفة لشيخ الإسلام رسالة صامتة إلى أنصاف المثقفين، والمتعالمين، والمتزيِّين بزي العلماء لتقول لهم: إن العلم ليس بالتمني ولا بالمظاهر والألقاب والمناصب، فليس هذا دليلًا على قيمة العالم وفضله ونبله، إنَّ الميزان الحقيقي للعالم الرباني هو: رسوخه في العلم، وثباته في المواقف عندما تحتاجه الأمة في حدث من الأحداث أو نازلة من النوازل، فيبيِّن للأمة الحق من الباطل، والهدى من الضلال، قال الله تعالى: {وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187] .

فهذا الضعف الذي أصاب العلماء في هذا العصر كان من أعظم أسباب كثرة الاستهزاء والسخرية بدين الإسلام من قبل الزنادقة

(1) «البداية والنهاية» (14/ 11، 29) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام