الشيخ تقي الدين بن تيمية فاستتابهم وَبَيَّنَ للكثير منهم الصواب وحصل بذلك خير كثير، وانتصار كبير على أولئك المفسدين، والتزموا برد ما كانوا أخذوا من أموال الجيش، وقرر عليهم (أي: ابن تيمية) أموالًا كثيرة - يحملونها إلى بيت المال، وأقطعت أراضيهم وضياعهم، ولم يكونوا قبل ذلك يدخلون في طاعة الجند ولا يلتزمون أحكام الملة، ولا يدينون بدين الحق، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله» [1] .
هذه صورة لعالم الأمة الرباني في زمنه تَحْمِلُ في ثنايا سطورها وكلماتها رسالة إلى علماء الأمة في هذا العصر لتقول لهم: إنَّ مهمتكم لا تقتصر على تعليم العلم وتدريسه في المساجد فحسب، بل إنَّ المطلوب منكم أعظم من هذا!! ولن ترضى الأمة لعلمائها عزلة الصوفية، ولا شبهة المرجئة، ولا دعوى العلمانية: بأنه لا دين في السياسة؛ ولا سياسة في الدين.
وأيضاً في هذه الصورة المشرفة لشيخ الإسلام رسالة صامتة إلى أنصاف المثقفين، والمتعالمين، والمتزيِّين بزي العلماء لتقول لهم: إن العلم ليس بالتمني ولا بالمظاهر والألقاب والمناصب، فليس هذا دليلًا على قيمة العالم وفضله ونبله، إنَّ الميزان الحقيقي للعالم الرباني هو: رسوخه في العلم، وثباته في المواقف عندما تحتاجه الأمة في حدث من الأحداث أو نازلة من النوازل، فيبيِّن للأمة الحق من الباطل، والهدى من الضلال، قال الله تعالى: {وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187] .
فهذا الضعف الذي أصاب العلماء في هذا العصر كان من أعظم أسباب كثرة الاستهزاء والسخرية بدين الإسلام من قبل الزنادقة
(1) «البداية والنهاية» (14/ 11، 29) .