لرحمته، والخوف لعذابه، وأمثال ذلك هي من العبادات لله» [1] .
ولهذا كانت الغاية العظمى لخلق الإنس والجن هي العبادة بمفهومها الواسع الشامل الذي فهمه الجيل الأول من الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] .
«تلك هي العبادة التي كُلِّف بها الإنسان، تشمل الصلاة والنسك - أي الشعائر التعبدية - وتشمل معها كُلَّ الحياة، وكذلك فَهِمَ الجيل الأول - رضوان الله عليهم - معنى العبادة، لم يحصروها قط في معنى الشعائر التعبدية، بحيث تصبح اللحظات التي يقومون فيها بأداء الشعائر التعبدية هي وحدها لحظات العبادة، وتكون بقية حياتهم «خارج العبادة؟!» .
إنما كان في حِسِّهِمْ أَنَّ حياتهم كلها عبادة، وأنَّ الشعائر إنما هي لحظات مُرَكَّزَة، يتزود الإنسان فيها بالطاقة الروحية التي تعينه على أداء بقية العبادة المطلوبة منه، ولذلك كانوا يحتفلون بها احتفالًا خاصًا، كما يحتفل المسافر بالزاد الذي يعينه على الطريق، وباللحظة التي يحصل فيها على الزاد. كانوا كما وصفهم ربهم: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ ... } [آل عمران: 191] ، أي: في جميع أحوالهم» [2] .
وكان لهذا الانحسار في مفهوم العبادة بل لمفهوم الدين كله أسباب من أهمها:
* أولًا: الفكر الصوفي:
(1) «العبودية» (ص 4) لشيخ الإسلام ابن تيمية.
(2) «مفاهيم ينبغي أن تصحح» (ص 179) للشيخ محمد قطب.