أمّا حين بدأ الفساد في التصور يتسع حتى يصبح هو الأصل، فقد تغير الأمر، ولم يعد فساد السلوك وحده هو العلة فتنفعه خطبة حماسية أو موعظة مؤثرة، إنما أصبح الأمر يحتاج إلى جهد ضخم يبذل لتصحيح المفاهيم أولًا ثُمَّ تصحيح السلوك بعد ذلك، أو تصحيحهما معًا في ذات الوقت، وهو على أي حال جهد غير يسير» [1] .
الأمة كانت تعيش لتحقق «لا إله إلا الله» في عالم الواقع، فلم تنزل عن الحدِّ الأدنى المفروض، ولم تهبط عن الاعتقاد بوحدانية الله - تبارك وتعالى - وإقامة شعائر الدين لله وحده بلا شريك، وعمارة الأرض بمقتضى المنهج الرباني [2] .
ولكن عندما بعد العهد، وضعفت أنوار النبوة، وذلك بسبب انتشار فتنتي الشبهات والشهوات المدفوعة من قِبل أعداء الإسلام من الخارج والداخل، وحل الضعف بالأمة فنتج عن ذلك التخلف العقدي الذي تعيشه الأمة اليوم، ونجده يظهر جلياً في الأمر التالي:
حصر مفهوم العبادة الشامل في نطاقه الضيق «الشعائر التعبدية» فقط. بعد أن كانت العبادة هي دين الإسلام كله، فهي «اسم جامع لِكُلِّ ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، فالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وبِرُّ الوالدين، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد للكفار والمنافقين، والإحسان إلى الجار، واليتيم والمسكين والمملوك من الآدميين والبهائم، والدعاء، والذكر، والقراءة، وأمثال ذلك من العبادة، وكذلك حب الله ورسوله، وخشية
(1) «واقعنا المعاصر» (ص 165 - 166) للشيخ محمد قطب.
(2) انظر: المصدر نفسه (ص 168) .