لزمته لأنَّه لو كان مقصوده الحق لاتّبعه إذا ظهر له، وقد جئتكم بأهدى مِمَّا وجدتم عليه آباءكم، فلو كنتم ممن يتبع الحق لاتبعتم ما جئتكم به، فأنتم لم تقلدوا الآباء لكونهم على حق، فقد جئتكم بأهدى مِمَّا وجدتموهم عليه، وإنما جعلتم تقليدهم جُنَّةً لكم، تدفعون بها الحق الذي جئتكم به» [1] .
وقد أخبر - سبحانه وتعالى - أن هذه الأمة تَتَّبِعُ سَنن من كان قبلها من الأمم، وتخوض في الباطل كما خاضوا، ويستهزئون برسولهم وبدينهم كما استهزأ من كان قبلهم، قال الله تعالى: {كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلاَدًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلاَقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الُّدنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [التوبة: 69] .
قال ابن عباس رضي الله عنهما: «ما أشبه الليلة بالبارحة هؤلاء بنو إسرائيل، شبهنا بهم» [2] .
وعن زيد بن أسلم قال: «الخوض: ما يتكلمون به من الباطل وما يخوضون فيه من أذى الله ورسوله وتكذيبهم إياه» [3] .
قال ابن كثير رحمه الله: «يقول تعالى: أصاب هؤلاء من عذاب الله تعالى في الدنيا والآخرة كما أصاب من قبلهم، وقوله: {بِخَلاَقِهِمْ} .
قال الحسن: بدينهم، قوله: {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} ، أي في الكذب والباطل. {أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} ، أي: بطلت مساعيهم فلا
(1) «بدائع الفوائد» (4/ 146 - 147) .
(2) «جامع البيان» (6/ 413) لابن جرير، و «الدر المنثور» (2/ 458) للسيوطي، و «اقتضاء الصراط المستقيم» (1/ 110) لابن تيمية، و «الدرر السنية» (8/ 108) .
(3) «تفسير ابن أبي حاتم» (6/ 1835) ، وجاء النص فيه: « .. وما يخوضون فيه من أمر الله ورسوله» ، وهو تحريف فيما يظهر.