وقد وصف بأنه إذا أعطي رضي وإن منع سخط كما قال تعالى: {وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} [التوبة: 58] . فرضاهم لغير الله وسخطهم لغير الله - إن حصل له رضي وإن لم يحصل له سخط، فهذا عبد ما يهواه من ذلك وهو رقيق له، إذ الرق والعبودية في الحقيقة وهو رق القلب وعبوديته، فما استرق القلب واستعبده فهو عبده .. » [1] . وقد كان المنافقون يبذلون أعراضهم - استهانة بها - من أجل الحصول على المال، فعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: كان عبد الله بن أبيّ يقول لجارية له: اذهبي فابغينا شيئًا، فأنزل الله - عز وجل: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النور: 33] ، وفي رواية: «يقال لها: «مسيكة» ، وأخرى يقال لها: «أميمة» ، فكان يكرهها على الزنا، فشكتا ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء} إلى قوله: {غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [2] .
إن الدافع لهذه الجريمة البشعة التي يقدم عليها من انتكست فطرهم، وتدنست أخلاقهم وسخروا بالفضيلة والعفاف، والقيم الإسلامية السامية، هو حب المال والحرص على جمعه وتعداده، والافتخار به على الآخرين، ولو كان على حساب العِرض والفضيلة، يقول الله - سبحانه وتعالى: {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ * الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ * كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ} [الهمزة: 1 - 8] .
(1) «العبودية» (ص 22) .
(2) أخرجه مسلم، كتاب التفسير، باب في قوله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء} برقم (3029) ، «نووي» (18/ 369) .