الوقوف على الحكم البشريّة، إذ العقل جزء من أجزاء العالم، فيكف يحيط بالحكم الربوبية ما هو جزء من أجزاء عالمه؟
وأما قولهم: (وردّ علم ما اشتبه عليه علمه إلى عالمه) ، فإنما قالوا ذلك لوجوب الإيمان بالآيات المتشابهات، والأحاديث المتشابهة الثابتة بالنقل المتواتر، من غير حمل إيّاها على مخالفة النصوص المحكمة الموجبة للعلم، ومن غير إيقاع المناقضة بين حجج الحكيم القديم، فإن قوما تأوّلوا بآرائهم فعطّلوا، وقوما حملوها على ظواهرها فوقعوا في التشبيه والتجسيم، فصاروا معطّلة من حيث المعنى، لأنّ صانع العالم ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض، ولأنه لا مشابهة بينه وبين شيء من العالم.
وخاصيّة الأجسام التركّب، والتركّب محقّق من الأجزاء والأبعاض، فكان الجسم مبعّضا متجزّئا، ولا يجوز أن يكون الباري كذلك، إذ التركيب لا بدّله من مركب، فمن قال: إنه جسم، فقد أبطل ألوهيّته وجعله مصنوعا.
وأما الجوهر فعبارة عن الأصل القابل للتركب، فلو كان الباري جوهرا لكان محلّا للحوادث، وذلك محال، لأن قبول الحوادث من أمارات الحدث، بدليل أن الجوهر لا ينفكّ عن الأكوان، والأكوان إما أنْ تكون متحرّكا أو ساكنا، فلا تنفكّ عن التّغير،