وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا [الإسراء: 57] .
وأما قولهم: (ولا يخرج العبد من الإيمان إلا بجحود ما أدخله فيه) ، فمعناه أنهم بالتّصديق والقبول دخلوا في الإيمان، فالخروج منه - نعوذ بالله تعالى - يكون بالرّدّة والتكذيب.
ولأصل في هذا أنّ الدّخول في الإسلام سكون بإيمان الجملة، وهو التّصديق بوحدانيّة الله تعالى، وبما جاء به محمّد صلى الله عليه وسلّم من عند الله، وجميع ما يجب اعتقاده فقد دخل تحت هذه الجملة، فالعبد: مؤمن بإيمان الجملة، لا يخرج منه إلا بجحود كلّه، أو بجحود شيء منه عند التّفصيل؛ إذ ردّ بعضه كردّ كلّه.
ثم ذكر الطحاويّ قولهم في إيمان الجملة، فقالوا:
(الإيمان هو: الإقرار باللّسان، والتّصديق بالجنان) .
قال القاضي أبو حفص الغزنويّ رحمه الله: أرادوا بهذا ظاهر الإيمان الذي يوقف عليه، وتعلّق به أحكام الإيمان، يدلّ عليه قولهم: والتصديق بالجنان، إذ مجرّد الإقرار لا يكون إيمانا بدليل قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة: 8] ، وقد كانوا يقولون آمنّا بألسنتهم، فلم يكن ذلك إيمانا، حيث نفى الله تعالى عنهم الإيمان، وأخبر أنّ محلّ الإيمان هو القلوب، فقال تعالى: يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ