الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ [المائدة: 41] ، وكانوا يعترفون بألسنتهم دون التصديق بقلوبهم، فلم يكن مجرّد إقرارهم إيمانا، وقال تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 14] ، فثبت أنّ الإيمان هو التصديق بالقلب، وأنّ الإقرار باللّسان لتعليق الأحكام، ولا اطّلاع على ما في القلوب إلا لربّ العالمين.
وأما قولهم: (وأنّ جميع ما أنزل الله تعالى في القرآن، وجميع ما صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشرع البيان كلّه حقّ) .
قال القاضي أبو حفص الغزنويّ: إنما ذكروا هذا الفصل تأكيدا ومبالغة على المواظبة على الإيمان بطريق الإجمال، ليكون إيمانه محتويا على كلّ ما يجب أن يؤمن به جملة.
وأما قولهم: (والإيمان واحد) ، فإنما قالوا ذلك؛ لأنّ الأصل في الإيمان هو الإيمان بالله تعالى وجميع ما يجب أنْ يؤمن به من الملائكة والكتب والرسل وباليوم الآخر، وغير ذلك، فهو كله داخل تحت الإيمان بالله تعالى، إذ هو ربّ العالمين، وما سواه فهو محدث مملوك له ملك إيجاد وتخليق، فهذا معنى قولهم: الإيمان واحد.
والأصل في ذلك قوله تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 256] ، والوثقى هي الوكادة التامّة، فصار الإيمان بالله جامعا لكلّ ما يجب أن يؤمن به، إذ كلّ ذلك له ومنه، فلا