إثبات الحياة أصل في إثبات صفات الكمال، لما في نفي الحياة نفي السّمع والبصر والعلم والقدرة والإرادة.
وفي القول بتعرّي ذات الباري عن شيء من صفات الكمال إثبات ضدّه، وهو محال على القديم، وقد أثبتوا ههنا بأنه تعالى قيّوم لا ينام، وفي معنى القيوم وجهان، قال قائلون: القيّوم هو القائم على كل نفس بما كسبت، وقال آخرون: القيّوم هو الحافظ، قال الإمام أبو منصور: القيّوم والقائم والقيّام يرجع إلى معنى واحد.
وقولهم: (لا ينام) ، نفي للنّوم والسّنة والسّهو والغفلة، وفي القيوم وصف إيّاه تعالى بالقيام بمصالح الخلق وأرزاقهم، وأنه قائم على كل شيء بحفظه وتصريفه فيما شاء، وفيه نفي السّهو والغفلة عنه، وقد سمّى الله تعالى نفسه حيّا قيّوما، فقال: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} [البقرة: 255] .
قالوا: ومعنى الحيّ هو: الحيّ بذاته، لا بحياة هي غيره، كالخلق، فإنّهم أحياء بحياء هي غيرهم، لذلك حلّ فيهم الموت، فأمّا الله تعالى فهو حي بذاته، أي إنّ الحياة صفة ذاتيّة أزليّة له، لا هو ولا غيره، فيستحيل أنْ يحلّه الموت، إذ الأزليّ يستحيل عليه العدم.
وأمّا قولهم: (خالق بلا حاجة) ، منعوا عنه الحاجة، إذ الحاجة نقص يفتقر المحتاج إلى دفعه، والقديم يستحيل في حقّه طريان ما يفتقر إلى دفعه ودفعه، فتعالى عن مساس الحاجة، قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر: 15] ، بل أوجد العالم لحاجات الممتحنين من جلب المنافع بالطاعة، ودفع المضارّ باجتناب