فهرس الكتاب
الصفحة 22 من 143

المعصية، قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ} [الأنبياء: 16] ، أخبر الله تعالى أن لم يخلق السموات والأرض وما بينهما لعبا باطلا، على ما اعتقد أولئك الكفرة بأنْ تكون السماء سماء والأرض أرضا لا ليكونا وما بينهما دليلا على صانع حكيم مستحقّ للشكر؛ فيفعلوا ما شاؤوا، وينتفعوا بمنافع السماء والأرض، ثمّ يموتوا ويتلاشوا، بلا عاقبة بعث ولا جزاء ولا حساب على ما شكروا أو كفروا، فيكون على زعمهم إنشاء السموات والأرض وما بينهما لعبا باطلا، فردّ الله عليهم ظنّهم وزعمهم، وأخبرهم أنه خلقهما وما فيهما لعاقبة أرادها، وهو أن يمتحن أهليهما بالأوامر والنّواهي، إذ في الشاده من عمل عملا لا يقصد به عاقبة فهو عابث، ويتعالى من دلّت المصنوعات على قدمه ووحدانيّته أنْ يكون فعله عبثا، ولذلك قال: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115] ، أخبر أنه لو لم يكن رجوعهم إليه بعد موتهم لكان خلقه إيّاهم عبثا، ثمّ نزّه تعالى نفسه عن أن يكون فعله عبثا بقوله تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون: 116] .

وأما قولهم: (رازق بلا مؤنة) ، فإنما قالوا ذلك لأنه تعالى يرزق خلقه بلا كسب ولا علاج ولا استعانة بسبب، لأنّ جميع ما يريد يكون بالتكوين على ما قال الله تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40] ، فلا تلحقه المؤنة، لأنه كامل القدرة كامل الغنى، إذ قدرته بذاته لا بقدرة مستفادة، وغناه بنفسه لا بغيره، فتعالى الله عن لحوق المؤنة والكلفة، لكنه تعالى خلق العالم الأول وهي الدنيا للاستعباد والمحنة بالأوامر

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام