صَادِقِينَ * أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلْ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِي فَلا تُنظِرُونِ * إِنَّ وَلِيِّي اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ * وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ) [الأعراف: 191 - 197] .
وبهذه الآيات ونظائرها يعلم أن اتخاذ الناس سيداً غير الله سواء من المقبورين أو الأحياء، يعتقدون فيه جلب النفع أو دفع الضر، أو يعلقون به حاجاتهم، أو ينزلون به طلباتهم ورغباتهم، أو يصرفون له لجوءهم ودعواتهم، أو يطلبون منه كشف غمومهم وكرباتهم؛ يعد شركا بالله العظيم، واتباعاً للسبيل المفضية إلى الجحيم، وهذا غاية الجهل والظلم، إذ كيف يسوى التراب برب الأرباب، وكيف يسوى العبيد بمالك الرقاب، وكيف يسوى من لا يملك لنفسه ولا لغيره مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ولا يملك نصراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً بالسيد العظيم الذي له مقاليد السموات والأرض، وبيده أزمة الأمور لا شريك له.
ولما بُلي أقوامٌ بمثل هذا التعلُّق بالمقبورين أضفوا عليهم هذا اللقب، معتقدين فيهم، ملتجئين إليهم، خاضعين ذليلين، ناكثين بذلك توحيدهم، متلوثين بما يناقضه ويضادُّه.
وتأمل في الحديث المتقدم حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد، وصيانته لجنابه، وسدَّه طرق الشرك، فلما قالوا له:"أنت سيدُنا"قال:"السيد الله تبارك وتعالى"، ثم اقل لهم:"لا يستجرينكم الشيطان"، مع أنهم لم يقولوا إلا حقاً.
ونظيره ما روى الإمام أحمد، والنسائي في"الكبرى" (1) بسند جيِّد عن أنس رضي الله عنه:"أن ناساً قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا خيرنا وابن خيرنا، ويا سيدنا وابن سيدنا. فقال رسول الله صلى الله لعيه وسلم: يا أيها الناس عليكم بقولكم ولا يستهوينكم الشيطان؛ إني لا أريد أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلنيها الله تعالى، أنا محمد بن عبد الله عبده ورسوله".
(1) "مسند الإمام أحمد" (3/ 249) ، و"السنن الكبرى" (10078) .