وقد ذكر الله هذا الاسم في موضعين من القرآن، وهما: قوله سبحانه: (وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الحج: 54] ، وقوله: (وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا) [الفرقان: 31] .
و"الهادي": هو الذي يهدي عباده ويرشدهم ويدلهم إلى ما فيه سعادتهم في دنياهم وأخراهم، وهو الذي بهدايته اهتدى أهل ولايته إلى طاعته ورضاه، وهو الذي بهدايته اهتدى الحيوان لما يصلحه واتقى ما يضرّه.
فالله هو الذي خلق المخلوقات وهداها (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى(2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى) [الأعلى: 2 - 3] ، فهداها الهداية العامة لمصالحها، وجعلها مهيَّئةً لما خُلقت له، وهدى هداية البيان، فأنزل الكتب وأرسل الرسل، وشرع الشرائع والأحكام، والحلال والحرام، وبين أصول الدين وفروعه، وهدى وبيَّن الصراط المستقيم الموصل إلى رضوانه وثوابه، ووضَّح الطرق الأخرى ليحذرها العباد، وهدى عباده المؤمنين هداية التوفيق للإيمان والطاعة، وهداهم إلى منازلهم في الجنَّة كما هداهم في الدنيا إلى سلوك أسبابها وطرقها، فقوله: (الَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى) يتناول جميع هذه الأنواع من الهداية.
قال ابن عطية في"تفسيره" (1) :"وقله: (فَهَدَى) عام لجميع الهدايات في الإنسان والحيوان، وقد خصّص بعضُ المفسرين أشياء من الهدايات فقال الفراء: معناه: هدى وأضلَّ، واكتفى بالواحدة لدلالتها على الأخرى، قال: وقال مقاتل والكلبي: هدى الحيوان إلى وطْءِ الذكور الإناث، وقيل: هدى المولود عند وضعه إلى مصِّ الثدي، وقال مجاهد: هدى الناس إلى الخير والشر، والبهائم للمراتع، قال: وهذه الأقوال مثالات، والعمومُ في الآية أصوب في كلِّ تقدير وفي كلِّ هداية ...".
(1) "المحرَّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز" (8/ 590 - 591) .