وقد ورد في القرآن الكريم في موضع واحد، وهو قوله تعالى: (إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) [الطور: 28] ، ومعناه: أي: الذي شمل الكائنات بأسرها ببره ومنِّه وعطائه، فهو مولى النعم، واسع العطاء، دائم الإحسان، لم يزل ولا يزال بالبر والعطاء موصوفاً، وبالمنِّ والإحسان معروفاً، تفضل على العباد بالنعم السابغة، والعطايا المتتابعة، والآلاء المتنوعة، ليس لجوده وبره وكرمه مقدار، فهو سبحانه ذو الكرم الواسع والنوال المتتابع، والعطاء المدرار.
وبرُّه سبحانه بعباده نوعان: عام وخاص.
فالعام: وسِعَ الخلق كلهم، فما من شخص إلا وسعه منٌّ الله تعالى وفاض عليه إحسانه، قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) [الإسراء: 70] ، وهذا التكريم يدخل فيه خلق الإنسان على هذه الهيئة الحسنة والصورة الجميلة، والقامة الطيبة، وجعل له سمعاً وبصراً وفؤاداً، وجعله يمشي قائماً منتصباً على رجليه، ويأكل بيده، وغيره من الحيوانات يمشي على أربع، ويأكل بفمه، وخصه بأنواع من المطاعم والمشارب والملابس، إلى غير ذلك مما خص به بني آدم وكرمهم به.
والخاص: هو هدايته من شاء منهم لهذا الدين القويم، وتوفقيهم لطاعة رب العالمين، ونيل ما يترتب على ذلك من السعادة في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: (إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ) [الانفطار: 13] ، أي: في دورهم الثلاثة: في الدنيا، والبرزخ، ويوم القيامة، وتفاصيل بره بعباده وأصفيائه أمر لا يمكن حصره، ولا سبيل إلى استقصائه.
فمِن برِّه بهم أنه تبارك وتعالى يريد بهم اليسر، ولا يريد بهم العسر، يتقبل منهم القليل من العمل، ويثيب عليه الثواب الكثير، ويعفو عن كثير من سيئاتهم، ولا يؤاخذهم بجميع جناياتهم، ويجزيهم بالحسنة عشر أمثالها، ويضاعف لمن يشاء،