فهرس الكتاب
الصفحة 7 من 335

إنَّ الفقه في أسماء الله الحسنى باب شريف من العلم، بل هو الفقه الأكبر، وهو يدخل دخولاً أوَّلياً ومقدماً في قوله صلى الله عليه وسلم:"من يُرد الله به خيراً يُفقِّهه في الدين"متفق عليه (1) ، وهو أشرف ما صرفت فيه الأنفاس، وخير ما سعى في تحصيله ونيله أولو النُّهَى والرشاد، بل هو الغاية التي تسابق إليها المتسابقون، والنهاية التي تنافس فيها المتنافسون، وهو عماد السير إلى الله، والمدخل القويم لنيل محابِّه ورضاه، والصراط المستقيم لكلِّ من أحبَّه الله واجتباه.

وكما أنَّ لكلِّ بناء أساساً فإنَّ أساس بناء الدِّين الإيمانُ بالله سبحانه وبأسمائه وصفاته، وكلَّما كان هذا الأساس راسخاً حمل البنيان بقوة وثبات، وسَلِم مِنَ التداعي والسقوط.

قال ابن القيِّم رحمه الله:"من أراد علوَّ بنيانه فعليه بتوثيق أساسه وإحكامه وشدَّة الاعتناء به، فإنَّ علوَّ البنيان على قدر توثيق الأساس وإحكامه؛ فالأعمال والدرجات بنيانٌ وأساسها الإيمان، ومتى كان الأساس وثيقاً حمل البنيان واعتلى عليه، وإذا تهدَّم شيءٌ من البنيان سهل تداركه، وإذا كان الأساس غير وثيق لم يرتفع البنيان ولم يثبت، وإذا تهدَّم شيء من الأساس سقط البنيان أو كاد."

فالعارف همَّته تصحيح الأساس وإحكامه، والجاهل يرفع في البناء عن غير أساس، فلا يلبث بنيانه أن يسقط، قال تعالى: (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ) [التوبة: 109] .

فالأساس لبناء الأعمال كالقوة لبدن الإنسان، فإذا كانت القوة قوية حملت البدن ودفعت كثيراً من الآفات، وغذا كانت القوَّة ضعيفة ضعف حملها للبدن وكانت

(1) "صحيح البخاري" (رقم: 71) ، و"صحيح مسلم" (رقم: 1037) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام