فهرس الكتاب
الصفحة 95 من 335

الخالق، البارئ، المصوّر

وقد جمع الله هذه الأسماء الثلاثة في قوله سبحانه: (هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) [الحشر: 24] ، أي: هو المنفرد بخلق جميع المخلوقات، وبرأ بحكمته جميع البريّات، وصوّر بإحكامه وحسن خلقه جميع الكائنات، فخَلَقها وأبدعها وفطرها في الوقت المناسب لها، وقدر خلقها أحسن تقدير، وصنعها أتقن صنع، وهداها لمصالحها، وأعطى كل شيء خلقه اللائق به، ثم هدى كل مخلوق لما هيئ وخلق له.

فالخالق هو المقدر للأشياء على مقتضى حكمته، والبارئ الموجد لها بعد العدم، والمصور أي المخلوقات والكائنات كيف شاء. فالباري المصور فيهما كما قال ابن القيم تفصيل لمعنى اسم الخالق (1) ، فالله عز وجل إذا أراد خلق شيء قدره بعلمه وحكمته ثم برأه أي: أوجده وفق ما قدر في الصورة التي شاءها وأرادها سبحانه.

قال ابن كثير رحمه الله:"الخلق التقدير والبرء هو الفري وهو التنفيذ وإبراز ما قدره وقرره إلى الوجود وليس كل من قدر شيئاً ورتبه يقدر على تنفيذه وإيجاد سوى الله عزَّ وجلَّ ... وقوله تعالى: (الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ) أي: الذي إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون على الصفة التي يريد والصورة التي يختار، كقوله: (فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ) [الانفطار: 8] ؛ ولهذا قال المصور، أي الذي ينفذ ما يريد إيجاده على الصفة التي يريدها" (2) .

فتفسير الخلق هنا بالتقدير ينتظم به ذكر هذه الأسماء الثلاثة بهذا الترتيب الوارد في الآية؛ فالخلق أولاً وهو تقدير وجود المخلوق ثم بريه وهو إيجاده من العدم ثم جعله بالصورة التي شاءها سبحانه.

(1) "شفاء العليل" (1/ 366) .

(2) "تفسير ابن كثير" (8/ 106) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام