إن أسماء الله الحسنى وصفاته العليا مقتضيةٌ لآثارها من العبودية والأمر اقتضاءها لآثارها من الخلق والتكوين، وقد مضى الحديث عن اقتضائها لآثارها من الخلق والتكوين، والحديث هنا في اقتضائها لآثارها من العبودية كالخضوع والذل والخشوع والإنابة والخشية والرهبة والمحبة والتوكل وغير ذلك من أنواع العبادات الظاهرة والباطنة، فإنَّ كلَّ اسم من أسماء الله وكلَّ صفة من صفاته له عبودية خاصة هي من مقتضياتها ومن موجبات العلم بها والتحقق بمعرفتها، وهذا مُطَّرِد في جميع أنواع العبودية التي على القلب والجوارح، وبيان ذلك أنَّ العبد إذا علم بتفرُّد الرب تعالى بالضر والنفع والعطاء والمنع والخلق والرزق والإحياء والإماتة؛ فإن ذلك يثمر له عبوديَّةَ التوكل على الله باطناً ولوازم التوكُّل وثمراته ظاهراً.
قال الله تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا) [الفرقان: 58] ، وقال تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) [الشعراء: 217] ، وقال تعالى: (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا) [المزمل: 9] ، وقال تعالى: (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا) [النساء: 81] .
وإذا علم العبد بأن الله سميع بصير عليمٌ لا يخفى عليه مثقالُ ذرَّة في السموات والأرض، وأنه يعلم السر وأخفى، ويعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور، وأنه تبارك وتعالى أحاط بكلِّ شيءٍ علماً، وأحصى كلَّ شيء عدداً، فمن علم باطِّلاع الله عليه ورؤيته له وإحاطته به؛ فإن ذلك يثمر له حفظ اللسان والجوارح وخطرات القلب عن كلِّ ما لا يُرضي الله وجَعْلَ تعلُّقات هذه الأعضاء بما يحبه الله ويرضاه.
قال الله تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى) [العلق: 14] ، وقال تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الحجرات: 1] ، وقال تعالى: (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [فصلت: 40] ،