فهرس الكتاب
الصفحة 27 من 335

وقال تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ) [البقرة: 235] ، فلا ريب أنَّ هذا العلم يورث في العبد خشية الله ومراقبته والإقبال على طاعته والبعد عن مناهيه.

قال ابن رجب:"راوَدَ رجلٌ امرأةً في فلاةٍ ليلاً فأبت، فقال لها: ما يرانا إلا الكواكب، فقالت: فأين مُكوكِبُها؟!" (1) أي: أين الله، ألا يرانا؟ فمنعها هذا العلم اقتراف هذا الذنب والوقوع في هذه الخطيئة.

وإذا علم العبد بأنَّ الله غنيٌّ كريمٌ، بَرٌ رحيمٌ، واسع الإحسان، وأنه تبارك وتعالى مع غناه عن عباده فهو محسنٌ إليهم رحيمٌ، بهم، يريد بهم الخير، ويكشف عنهم الضرَّ، لا لجلب منفعة إليه من العبد، ولا لدفع مضرَّة، بل رحمةً منه وإحساناً، فهو سبحانه لم يخلق خلقه ليتكثَّر بهم من قلَّة، ولا ليعتزَّ بهم من ذلَّة، ولا ليرزقوه ولا لينفعوه، ولا يدفعوا عنه كما قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ(56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات: 56 - 58] ، وقال تعالى: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا) [الإسراء: 111] ، وقال تعالى فيما رواه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم:"يا عبادي إنكم لن تبلغُوا نفعي فتنفعوني، ولن تبلغوا ضرِّي فتضرُّوني"رواه مسلم (2) .

فإذا علم العبد ذلك أثمر فيه قوَّة الرجاء- قوة رجائه بالله- وطمعه فيما عنده، وإنزالَ جميع حوائجه به، وإظهارَ افتقاره إليه واحتياجه له (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) [فاطر: 15] ، والرجاء يثمر أنواع العبودية الظاهرة والباطنة بحسب معرفة العبد وعلمه.

وإذا علم العبدُ بعدل الله وانتقامه وغضبه وسخطه وعقوبته فإن هذا يثمر له الخشية والخوف والحذر والبعد عن مساخط الرّبَ، قال الله تعالى:

(1) "شرح كلمة الإخلاص" (ص/49) ، والقصة رواها ابن الجوزي في"ذم الهوى" (ص/272) .

(2) (رقم: 2577) وهو طرق من حديث أبي ذر رضي الله عنه.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام