وقد قوَّى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تقرير ابن عطية وأيَّده فقال:"والأقوال الصحيحة هي من باب المِثالات، كما قال ابن عطية، وهكذا كثير من تفسير السلم، يذكرون من النوع مثالاً لينبهوا به على غيره أو لحاجة المستمع إلى معرفته، أو لكونه هو الذي يعرفه" (1) .
وها هنا وقفة لبيان أنواع الهداية المضافة إلى الرب سبحانه ويتناولها اسمه جل وعلا"الهادي".
أولاً: الهداية العامَّة: وهي هداية كلِّ نفس إلى مصالح معاشها وما يقيمها، وهي هداية شاملةٌ للحيوان كله ناطقه وبهيمه، وطيره ودوابه، فصيحه وأعجمه، ومن ذلكم هدايته سبحانه الحيوان البهيم إلى الْتِقام الثدي عند خروجه من بطن أمِّه، وإلى معرفته بأمِّه دون غيرها حتى يتبعها أين ذهبت، وإلى قصد ما ينفعه من المرعى دون ما يضره منه، ومن ذلكم هداية الطير والوحوش والدواب إلى الأفعال العجيبة التي يعجز عنها الإنسان، كهداية النحل إلى سلوك السبل التي فيها مراعيها على تباينها، ثم عودها من مسافة بعيدة إلى بيوتها من الشجر والجبال وما يعرش بنو آدم، وكهداية النملة الصغيرة تخرج من بيتها وتطلب قُوتَها وإن بعدت عليها الطريق، فإذا ظفرت به حملته وساقته في طريق معوجة بعيدة ذات صعود وهبوط ووعورة حتى تصل إلى بيتها، فتخزن فيه أقواتها، وهذا باب واسع، ويكفي فيه قوله سبحانه: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ(38) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الأنعام: 38 - 39] .
ثانياً: هداية الإرشاد والبيان للمكلفين، وهي حجة الله على خلقه التي لا يُعذِب أحداً منهم إلا بعد إقامتها عليه (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ(56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [الزمر: 56 - 57] ، وقال تعالى: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى) [فصلت: 17] ،
(1) الدليل على بطلان التحل