فهو عليه الصلاة والسلام سيد ولد آدم وأفضل عباد الله وإمام المتقين، إلا أنه كره لهم ذلك لئلا يكون وسيلة إلى الغلوِّ فيه والإطراء، كما قال صلى الله عليه وسلم:"لا تُطروني كما أطْرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله"رواه البخاري (1) .
ونهى عن المدح وشدد القول فيه، كما في"الصحيحين" (2) من حديث أبي بكرة رضي الله عنه:"أن رجلاً أثنى على رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: ويحك قطعت عنق صاحبك، يقوله مراراً"، وفي"صحيح مسلم" (3) عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا رأيتم المداحين فاحثُوا في وجوههم التراب".
فمواجهة الممدوح بمدحه ولو بما فيه لا ينبغي، لما قد تفضي إليه محبة المدح من تعاظم الممدوح في نفسه، وذلك ينافي كمال التوحيد، ويوقعه في أمر عظيم ينافي العبودية الخاصة، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما أكمل الله له مقام العبودية صار يكره أن يُقابل بالمدح صيانة لهذا المقام، وإرشاداً للأمة إلى ترك ذلك نصحاً لهم، وحماية لمقام التوحيد عن أن يدخله ما يفسده أو يضعفه من الشرك ووسائله، بانصراف القلب إلى نوع من التعلق بالمخلوقين والذل لهم والانكسار الذي لا يحل ولا يجوز صرفه إلا لله الواحد القهار.
(1) رواه البخاري (رقم: 3445) من حديث عمر رضي الله عنه.
(2) البخاري (رقم: 6061) ، ومسلم (رقم: 3000) .
(3) (رقم: 3002) .