فهرس الكتاب
الصفحة 309 من 335

ولذا جاء في"صحيح مسلم" (1) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا يستر الله على عبد في الدُّنيا، إلا ستره الله يوم القيامة".

وروى البخاري ومسلم (2) عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أن رجلاً سأله كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى؟ قال:"يدنو أحدكم من ربه حتى يضع كنفه عليه، فيقول: عملت كذا وكذا؟ فيقول: عملت كذا وكذا؟ فيقول: نعم. ويقول: عملت كذا وكذا؟ فيقول: نعم. فيقرره ثم يقول: إني سترتُ عليك في الدنيا، فأنا أغفرها لك اليوم".

وفي هذا أن الواجب على العبد أن يجاهد نفسه على البعد عن الذنوب ومقارفتها، وإذا ألمَّ بشيء فعليه أن يستر نفسه ويبادر إلى التوبة إلى الله عز وجل والإنابة إليه، وليكثر من الأعمال الصالحات، كما في"صحيح مسلم" (3) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:"جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني عالجت امرأة في أقصى المدينة، وإني أصبت منها ما دون أن أمسها، فأنا هذا فاقض فيِّ ما شئت، فقال ل عمر: لقد سترك الله لو سترت نفسك، قال: فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً، فقام الرجل فانطلق، فأتبعه النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً وتلا عليه هذه الآية: (وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) [هود: 114] ، فقال رجل من القوم: يا نبي الله هذا له خاصة؟ قال: بل للناس كافة".

ومن هذا المعنى الستر على عباد الله وتجنب هتك أستارهم وتتبع عوراتهم، ففي"المسند"و"سنن أبي داود"عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا الملمين، ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإنه من يتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته" (4) .

(1) (رقم: 2590) .

(2) "صحيح البخاري" (رقم: 6070) ، و"صحيح مسلم" (رقم: 2768) .

(3) (رقم: 2763) .

(4) رواه الإمام أحمد (4/ 420) ، وأبو داود (رقم: 4880) وغيرهما من طريق أبي بكر بن عياش، عن الأعمش، عن سعيد بن عبد الله بن جريج، عن أبي برزة، به وإسناده حسن. وانظر:"صحيح الترغيب والترهيب" (رقم: 2340) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام