فهرس الكتاب
الصفحة 304 من 335

حيٌّ كريم يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرا، ويستحيي أن يعذب ذا شيبة شابت في الإسلام، وكان يحيي بن معاذ يقول: سبحان من يذنب عبدُه ويستحيي هو، وفي أثر: من استحى من الله استحى الله منه" (1) ."

والله سبحانه وتعالى يحب أسماءه وصفاته، ويحب ظهور آثارها في خلقه؛ فإن ذلك من لوازم كماله، فهو سبحانه حيي يحب أهل الحياء، كريم يحب الكرماء، شكور يحب الشاكرين، محسن يحب المحسنين، عفو يحب العفو وأهله، حليم يحب أهل الحلم، ولمحبته سبحانه لأسمائه وصفاته أمر عباده بموجبها ومقتضاها، فأمرهم بالحياء والإحسان والرحمة والكرم والعفو، وأحبُّ عباده إليه من اتصف بالصفات التي يحبُّها، وأبغضهم إليه من اتصف بالصفات التي يكرهها، ويستثني من ذلك من اتصف بالكبر والعظمة والجبروت؛ لأن اتصاف العبد بها ظلم إذ لا تليق به هذه الصفات ولا تحسن منه لمنافاتها لصفات العبد، ولتعدي من اتصف بها طوره وحدَّه، ولمفارقته مقامه ورتبته، رتبة العبودية والذل.

وقد تكاثرت النصوص في الأمر بالحياء والحث عليه والترغيب فيه، وعدِّه من شعب الإيمان، وبيان ثماره العظيمة وآثاره المباركة، وأنه خير كلُّه.

ففي"الصحيحين" (2) عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها: قول: لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من شعب الإيمان".

وفيهما (3) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"دعه فإنَّ الحياء من الإيمان".

(1) "مدارج السالكين" (2/ 261) .

(2) "صحيح البخاري" (رقم: 9) ، و"صحيح مسلم" (رقم: 35) .

(3) البخاري (رقم: 24) ، ومسلم (رقم: 36) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام