فهرس الكتاب
الصفحة 303 من 335

وفي"الصحيحين" (1) عن أبي واقد الليثي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد والناس معه إذ أقبل ثلاثة نفرٍ، فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله ليه وسلم، وذهب واحد، قال: فوقفاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما أحدهما فرأى فرجةً في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر فجلس خلفهم، وأما الثالث فأدبر ذاهباً، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدهم فآوى إلى الله فآواه إليه، وأما الآخر فاستحيا من الله فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه".

والقول في هذه الصفة كالقول في سائر صفات الرب سبحانه، فكما أنا نثبت لله سبحانه علماً لا كعلمنا، وبصراً لا كبصرنا، وسمعاً لا كسمعنا، وإرادة لا كإرادتنا فكذلك نثبت له حياء لا كحيائنا؛ إذ كلُّ ما أثبته سبحانه لنفسه وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم حق لا ريب فيه.

قال ابن القيم رحمه الله:"وقد وصف نفسه بالحياء، ووصفه رسوله صلى الله عليه وسلم، فهو الحيي الكريم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الله حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرا"، وقالت أمُّ سليم:"يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق" (2) ، وأقرها على ذلك، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الله لا يستحي من الحق، لا تأتوا النساء في أعجازهن" (3) (4) ."

وقال رحمه الله:"وأما حياء الرب تعالى من عبده فذاك نوع آخر لا تدركه الأفهام، ولا تكيفه العقول؛ فإنه حياء كرم وبر وجود وجلال، فإنه تبارك وتعالى"

(1) "صحيح البخاري" (رقم: 66) ، و"صحيح مسلم" (رقم: 2176) .

(2) متفق عليه: البخاري (رقم: 130) ، ومسلم (رقم: 313) .

(3) رواه الإمام أحمد (5/ 213) ، وابن ماجه (رقم: 1924) من حديث خزيمة بن ثابت العبسي. وصححه الألباني في"إرواء الغليل" (رقم: 2005) .

(4) "الصواعق المرسلة" (4/ 1499) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام