فهرس الكتاب
الصفحة 293 من 335

الناس"معرفة من عرفه سبحانه بكماله، وجلاله وجماله ليس كمثله شيء في سائر صفاته، ولو فرضت الخلق كملهم على أجملهم صورة، وكلهم على تلك الصورة، ونسبت جمالهم الظاهر والباطن إلى جمال الرب سبحانه لكان أقل من نسبة سراج ضعيف إلى قرص الشمس، ويكفي في جماله أنه لو كشف الحجاب عن وجهه لأحرقت سُبحاتُه ما انتهى إلى بصره من خلقه، ويكفي في جماله سبحانه أن كل جمال ظاهر وباطن في الدنيا والآخرة فمن آثار صنعته، فما الظن بمن صدر عنه هذا الجمال، ويكفي في جماله أنه له العزة جميعاً والقوة جميعاً والجود كله والإحسان كله والعلم كله والفضل كله، ولنور وجهه أشرقت الظلمات، فهو سبحانه نور السموات والأرض، ويوم القيامة إذا جاء لفصل القضاء تشرق الأرض بنوره" (1) .

وقوله صلى الله عليه وسلم:"إن الله جميل يحبُّ الجمال"يشتمل على أصلين عظيمين: فأوله معرفة وآخره سلوك؛ فيعرف الله أولا بالجمال الذي لا يماثله فيه شيء، ويعبده بالجمال الذي يحبه من الأقوال والأعمال والأخلاق، فإنه سبحانه يحب من عبده أن يجمل لسانه بالصدق، وقلبه بالإخلاص والمحبة والإنابة والتوكل، وجوارحه بالطاعة، وبدنه بإظهار نعمه عليه في لباسه وتطهيره له من الأنجاس والأوساخ والشعور المكروهة والختان وتقليم الأظافر إلى غير ذلك، فيعرفه بالجمال الذي هو وصفه ويعبده بالجمال الذي هو شرعه ودينه، فالحديث يتناول جمال الثياب المسؤول عنه في الحديث نفسه، ويدخل فيه بطريق العموم الجمال من كل شيء، وفي"السنن" (2) :"إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده"، وفيها (3) عن أبي الأحوص الجشمي، عن أبيه قال:"كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرآني رث الثياب، فقال: ألك مال؟ قلت: نعم يا رسول الله؛ من كل المال، قال: فإذا آتاك الله مالاً فلير أثره عليك".

(1) "الفوائد" (ص/319) .

(2) "جامع الترمذي" (رقم:2819) ، و"مسند الإمام أحمد" (2/ 181) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده، مرفوعاً، وحسنه الترمذي.

(3) "سنن أبي داود" (4063) ، و"سنن النسائي" (رقم: 5223) - واللفظ له -، و"مسند أحمد" (4/ 137) وغيرهم من طريق أبي إسحاق السبيعي، عن أبي الأحوص، به وإسناده صحيح.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام